حرب حزيران أو حرب الأيام الستة أو الساعات الستة وكلها كلمات لمعنى واحد وهو نكسة حزيران الأليمة عام 1967 م، واحتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية إضافة لسيناء المصرية والجولان السورية ، ولقد كانت تلك الحرب الخاطفة المؤلمة ضربة موجعة للعرب ومشروعهم القومي الوحدوي الذي قاده الزعيم جمال عبد الناصر ، وعدوان حزيران الذي نشرت حوله الكثير من الأبحاث والدراسات والتي البعض منها ركز على تلك المعركة وكأنها نهاية التاريخ وآخر الحلقات ، وأن العرب لن تقوم لهم قائمه بعد تلك النكسة ، هؤلاء هم كتبة المحافظين الجدد وفلاسفة الهزيمة ، لأن نكسة حزيران هي خسارة معركة في حرب وجود طويلة لم تكتب نهايتها بعد ، وهناك مؤامرة واضحة على هذه الأمة منذ مطلع القرن الماضي ولا ينكرها إلا جاحد ، حيث أراد فلاسفة الهزيمة زرع ثقافة الاستسلام وإبقاء هذه الأمة العظيمة حبيسة تلك النكسة وأسبابها وكأننا كعرب أول أمة خسرت معركة وكأن تاريخنا قبل تلك النكسة سلسلة انتصارات والكثير من تلك الأبواق المعروفة المصدر والتمويل صبت جام غضبها على الزعيم العربي جمال عبد الناصر الذي قاد حركة التحرر العربية في حقبة الخمسينات والستينات واستطاع بطلائع هذه الأمة في كل قطر عربي كنس الاستعمار عن وطننا العربي وامتد نضاله للقارات الثلاثة آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية لإيمانه أنا قضايا التحرر الوطني واحدة .

والهدف من عدوان حزيران كان ضرب المشروع الوحدوي للعرب الذي قادته مصر الثورة ، وذكرى حزيران هذا العام تطرح الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام ولعل أبرزها الحرب على المشروع الوحدوي العربي وكلنا يعلم من دروس التاريخ البليغة كيف جرت شيطنة نظام الزعيم جمال عبد الناصر منذ فجر ثورة 23 يوليو ووصلت لذروتها في العدوان الثلاثي ونكسة حزيران التي نحن اليوم نمر بذكراها الــ 45 عاما ، ومحاولة تكريس تلك النكسة وكأنها النهاية الأبدية كما جرت بعد ذلك شيطنة نظام الرئيس الشهيد صدام حسين منذ تأميمه النفط في حزيران عام 1972م ، ووصلت الحملة المسمومة على الرئيس الشهيد لذروتها بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية المأساوية التي أخطأ بها كلتا الدولتين الجارتين ، واستمرت شيطنة نظام الرئيس الشهيد حتى احتلال العراق وإعدام قيادته الشرعية ، وكما جرى شيطنة نظام العقيد الشهيد معمر ألقذافي حتى جرى احتلال ليبيا أيضا وهي اليوم تعاني من أخطار التفكك والتجزئة بعد أن أعادها حلف الشيطان الناتو الى مرحلة ما قبل قيام الدولة ، ويجري اليوم شيطنة سوريا وقيادتها الشابة المنفتحة ولعل القاسم المشترك بين هذه الحالات المشار إليها هي ضرب المشروع القومي الوحدوي ومن خلال نفس الأعداء ونفس العملاء الصغار من الأدوات .

لذلك نرى هذه الزوابع الحزيرانية في ذكرى النكسة من كل عام وكأنها حدثت بالأمس وهم يريدونها أن تصبح كربلاء الثانية رغم أن التاريخ يحدثنا أنه لا يوجد أمة في الأرض إلا وانتصرت وانهزمت ولكن الهزيمة الحقيقية أن تستسلم للعدو وتفقد إرادتك ولعل الحال بنكسة حزيران مغايرة لذلك تماما وليس كما أراد العدو وسرعان ما استعادت الأمة وعيها وعرفت بحسها ووعيها أن المطلوب الاستسلام الكامل ولذلك كانت إرادة الأمة التي عبرت عنها ثورة التاسع والعاشر من حزيران التي خرجت في كل أرجاء الوطن العربي تطالب ببقاء القائد جمال عبد الناصر في موقعه وتتعهد بمواصلة القتال ضد الاستعمار ولقيطه الكيان الصهيوني .

وكانت إعادة البناء للقوات المسلحة وحرب الاستنزاف أو حرب الثلاثة أعوام كما اسماها الفريق محمد فوزي رحمه الله والتي وصفها الجنرال الصهيوني الأحمق موشيه ديان بأنها أكثر الحروب خسارة للكيان الصهيوني وثم حرب الكرامة وبعد ذلك ملحمة تشرين المغدورة التي خذلت السياسة بها السلاح عكس حرب حزيران كما يسجل لنا التاريخ أن الكيان الصهيوني منذ نكسة حزيران لم ينتصر بحرب ، يكفي أن نذكر في هذا السياق أن أطفال الحجارة في فلسطين جعلوا من جيشه أضحوكة أمام العالم كما هزم العدو في معارك لبنان وفشل في غزه ووصلت هزيمته لذروتها في حرب تموز المجيدة عام 2006م.

إذن نكسة حزيران كانت مؤامرة خارجية ودور أمريكا والرئيس جونسون معروف في ذلك ، ولا داعي لسرد التفاصيل ، ولكنها تبقى خسارة معركة لأمة عظيمة وصفت بأنها أعظم الأمم وهي لن تستسلم حتى لو وقعّت كل حكوماتها اتفاقيات الإذعان الذي يسمونه سلاما ، والكيان الصهيوني منذ نكسة حزيران وما تلاها من حروب بدأ بالشيخوخة السياسة المبكرة ، ولذلك كانت هناك هجرات صهيونية معاكسة من فلسطين المحتلة الى دول العالم خاصة أمريكا في الوقت الذي يزداد شعبنا العربي في فلسطين تمسكا بأرضه ومقدساته وتزداد الأمة العربية يقينا أن هذا الكيان مجرد سرطان لا علاج له إلا بالاجتثاث .
ونكسة حزيران التي حاول نظام كامب ديفيد المنهار استثمارها لتكريس ثقافة الهزيمة والاستسلام ولكن كل ذلك سقط بثورة 25 يناير المباركة التي وجدت في المناضل الناصري حمدين صباحي قائدا لها كما أجمع الثوار على ذلك .
ونكسة حزيران ستبقى خسارة معركة في حرب الوجود الطويلة التي لن تنتهي إلا باجتثاث السرطان الصهيوني ووحدة هذه الأمة لتجد لها مكانا تحت الشمس بين الأمم والشعوب .

عبد الهادي الراجح

alrajeh66@yahoo.com