الكتبة28-10-2007 02:00 AM
تشاء الصدف الخبيثة واللئيمة أحياناً أن تتيح لبعض المدعّين بالتسلّق على حبل هذه المهنة أو تلك وفي المقدمة منها حبل العمل والكتابة الصحفية، ثمة فرق شاسع بين أن يكون الكاتب الصحفي ذو رسالة وهدف، وبين كونه يستبدل قناعاته تماماً كما يستبدل ملابسه، بأي منطقٍ يمكن قراءة كل ذلك الانفصام لدى أولئك الكتبة الذين يهاجمون الديمقراطية والديكتاتورية معا، وكيف نقرأ محاربتهم ومطالبتهم بالكشف عن الفساد والمفسدين، لكنهم يقبلون على أنفسهم الحصول على مكاسب وامتيازات بطرق فاسدة، كيف نفهم هجومهم على هذا المسؤول أو ذاك صباحاً، وفي المساء يجلسون على طاولاتهم وموائدهم، ما الذي يجعل ذلك الكاتب يهاجم بل ويتعرض لشخص وخصوصيات أحدهم لأكثر من عشرات المرّات المتتالية في الصحيفة التي يكتب بها، لنكتشف أن الموضوع برمّته لا علاقة له بمبادئ أو محاربة فساد، بقدر ما يعبّر عن حقدٍِ شخصيٍ تحوّل إلى هوسٍ ومرضٍ نفسيٍ مزمن لا مجال للشفاء منه، ما الذي يجعل أحد الكتبة يواظب في مقالاته على مهاجمة وزيرٍ بعينه وكأن خراب الدنيا تجسّد في ذلك الوزير، لتكتشف أن الموضوع لا يتعدى المصلحة الشخصية للكاتب الذي يريد من الوزير مخالفة التعليمات ومنح الكاتب ما يريده، ما الذي يجعل أحد الكتبة ينافح في مقالاته ضد الفساد والسرقة والاحتيال، لكنه يرضى لنفسه بأن يصبح مستشاراً لجهةٍ منتنة ومتعفنة بالفساد بحجة أن هذا المال سايب ولا ضير من الحصول على حصةٍ منه قبل إغلاق ملف تلك الجهة الفاسدة، ما الذي يجعل أحد الكتبة يحارب تعيين المستشارين الإعلاميين في الوزارات، لكنه ما أن تلوح أمامه فرصة ركوب هذه الموجة حتى يمتطيها بشراهةٍ لا يتقنها سوى أمثاله الكتبة، كيف نقرأ ذلك؟ كيف نفهم ذلك الكاتب الذي يشبعنا مراجل ومعارك ضد الفساد والفاسدين في مقالاته التثويرية، لنكتشف أنه دائم البحث عن أية جهةٍ تستأجره وتمتطي قلمه بحيث يبرر ذلك لنفسه انه لن يصلح الكون، وأن هذا المال الذي حصل عليه هو لقاء خدمات واستشارات إعلامية، أي خدماتٍ وأي استشارات، فكل الشواهد تدلل بأن هذه الفئة من الكتبة لا همّ عندهم إلا البحث عن مصلحتهم ومنفعتهم الذاتية، وأنهم يكتبون عن الفاسدين بيدٍ ويصافحونهم باليد الأخرى، وأنهم يقفون مع المواطنين نهاراً ومع المسؤولين ليلاً، ما أسوأ أن تكون معارضاً أو موالياً بأجر، وما أنقى وأبهى وأجمل ذلك المعارض أو الموالي الذي يتبنى موقفه بمبدئية وشفافية ووضوح. كنتُ في حديثٍ مع صديقي الصحفي الصادق بسام الياسين حيث قال: والله إذا مال القلم لليمين أو اليسار عند الكتابة، فإن الكاتب يؤثم.. فهل يمكن لنا أن نحصر عدد الآثمين من الكتبة؟؟ أقول: لو نظر كل واحد إلى عيوبه لانشغل عن عيوب الناس طوال عمره. إن الأسوأ من الفاسد هو ذلك الذي يدّعي محاربة الفساد وهو غارق فيه.. وصدق جبران حين قال: أحق الناس بالشفقة أناس يشتاقون للسحب وهم غارقون بالأوحال.. فكم هم الكتبة الذين يستحقون الشفقة؟ |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة