في دراسة مسحيّة أردنية لواقع النفقات الأسريّة على الصعيد المحلي، تُظهر أن إنفاق الأردنيين على التبغ والسجائر بلغ "480.3" مليون دينار لعام (2011م) بزيادة متصاعدة بلغت 36.5% عن المبلغ المنفق عام 2008م، إذ كان المبلغ (352.3) مليون دينار.
نصف مليار دينار يهدرها الأردنيون بشكل طوعي، وتتبعها نفقات أخرى كثيرة لمعالجة الأضرار الناتجة عن التدخين على صحة المدخنين وصحة من حولهم. ولو أجريت دراسة على ما ينفقه المجتمع على معالجة آثار التدخين لأصبح حجم الإنفاق مضاعفاً ضعفين وأكثر على أقل تقدير، وهذا يعني بكل وضوح أن إنفاق المجتمع الأردني على التبغ والتدخين أكثر مما يتم إنفاقه على موضوع التربية والتعليم وإعداد الأجيال فضلاً عن موضوعات التنمية الأخرى. أما إذا تمت المقارنة مع الإنفاق على البحث العلمي، فسوف تكون النسبة مدعاة للسخرية والضحك.
أعلم جيداً أن الوعظ والإرشاد وإسداء النصح لا يجدي نفعاً مع المدخنين، الذين يجدون في التدخين وسيلة لتهدئة أعصابهم المتوترة والمرهقة بالهموم من كل حدب وصوب كما يقولون أو كما يهيأ لهم، ولكن يجب النظر إلى هذه المشكلة الاجتماعية بوصفها خطراً يهدد الأجيال الذين تتصاعد فيهم نسبة المدخنين ،خاصة على صعيد النساء والفتيات اللواتي يقبلن بشكل لافت على "الأرجيلة" في المقاهي، التي تنتشر مثل الفطر على أطراف شوارع العاصمة وشوارع المدن المزدحمة.
ينبغي على وزارة الصحة أن تضع خطة بعيدة المدى من اجل محاربة هذه الآفة بشكل تدريجي، وإتباع الوسائل الناجحة والقائمة على مجموعة من الدراسات والأبحاث العلمية المتخصصة بكل الجوانب ذات الصلة بالمسألة، ويجب أن تتوجه هذه الخطة الى الجيل الجديد، بحيث يتم العمل على خفض نسبة التدخين في كل عام عن العام الذي سبقه، فهناك وسائل طبية وصحية، وهناك وسائل نفسية وتربويّة، وهناك وسائل فكرية ودينية أيضاً، بحيث يتم تأسيس هيئة عليا مشرفة على هذه الخطة، على غرار هيئة مكافحة الملاريا في السنوات السابقة، التي استطاعت تحقيق نجاحا ملحوظا ومميز على هذا الصعيد.
سوف يكتشف المسؤولون المختصون عن هذا الجانب، أن عمل هذه الهيئة المقترحة سيكون له أثر كبير، وسوف يوفر على جيوب الأردنيين مبالغ وفيرة ، تسهم في إنفاق هذه المبالغ في وجوه نافعة، سواء على الصعيد العلمي أو التنموي أو الصحي. أما الأمر الآخر الأكثر ضرورة فهو الإسهام في وقاية الشباب والجيل القادم من الوقوع في براثن هذه الآفة مبكراً، ومن المعروف أن تكاليف الوقاية أخف وأقل من تكاليف المعالجة، وتوعية الشباب والأجيال بطريقة مدروسة واجب اجتماعي مشترك من كل الجهات ومن كل الأطراف بلا استثناء، ومن المعروف أن آفة التدخين تقود إلى آفات أخرى أكثر خطورة وأعظم ضرراً.
وأول خطوة في هذا المجال، التي تمثل البداية الأولى، تتعلق "بالأدب"، بمعنى وضع آداب للتدخين، بحيث لا يعمد المدخن إلى إلحاق الضرر بغير المدخنين في الحافلات العامة، والمباني المغلقة، وإلحاق الأذى بالأطفال الذين يُجبرون على استنشاق الهواء الملوث بالدخان، داخل المنازل أو في الأماكن العامة. وربما الخطوة التي يجب أن تسبق الخطوة الأولى، التشديد على تحريم التدخين في المستشفيات والعيادات والمراكز الصحية، وتحريم التدخين على الأطباء وكل العاملين بالشأن الصحي تحريماً مطلقاً، لا يقبل المساومة.
العرب اليوم