عن وظيفة مؤسسات المجتمع المدني
مالك العثامنة
28-10-2007 02:00 AM
لو افترضنا أن هناك مدرسة ما في قرية أردنية ما، وان معلمي تلك المدرسة اجتمعوا على فكرة تتعلق بتنمية قيم التثقيف والتوعية الديمقراطية لدى اهل تلك القرية، واستطاع هؤلاء المعلمون أن يحضروا متخصصا أو أكاديميا من العاصمة، ووفروا له المسكن والأدوات اللازمة لكي يدربهم على كيفية نشر الوعي الديمقراطي، وتثقيف الناس بأبجديات الحقوق والواجبات حسب الدستور والقوانين النافذة، ثم عمل هؤلاء بدورهم على نشر ما تعلموه بين الطلاب، وعمل هؤلاء الطلاب بدورهم على نقل المعرفة إلى أسرهم ومجتمعهم المحلي..لو افترضنا هذا التصور، فإننا أمام عمل تنموي يتعلق بالمجتمع المدني، ولو اتفق هؤلاء المعلمون كذوات أن يجتمعوا مع نفر من الطلاب على توحيد الجهود وهيكلة العمل بشكل منظم، وقاموا بإجراء اللازم حسب الأصول الرسمية امام الجهات المختصة، فإننا نكون أمام مؤسسة مجتمع مدني، أو منظمة مجتمع مدني بمعنى أنها تعمل بشكل تنظيمي مؤسسي لغايات التنمية.
لكن..لو قام الذوات أنفسهم وبعد تلقي التدريب والمعرفة، بالسعي والسعي فقط خلف الأغنياء والأثرياء لجمع الأموال تحت عناوين تطوير القرية، وأهلها، ثم تحويل معظم تلك الأموال إلى الأرصدة الشخصية، وإنفاق اليسير منها على حملات التوعية والتثقيف، فإننا أمام حالة تحايل ونصب بامتياز.
هذا هو الفرق بين مؤسسات المجتمع المدني الوطنية، ذات الحس بالمسؤولية، ومؤسسات أخرى محاطة بشبهات التمويل في غير محله..وتغذيتها لا تتم إلا بالنقد المستمر، وتصوير الحالة بشكل سوداوي مستمر، وهذا طبيعي لكي تتقدم هي بالحلول والمبادرات!! التي تجلب التمويل المنتهي في آخر المطاف في أرصدة شخصية!
من هنا، فليس صحيحا أن يؤخذ الصالح بالطالح، وأردنيا، على المستوى الوطني في الدولة ككيان للجميع، فإن وجود مؤسسات مجتمع مدني حقيقية ووطنية، لا يعني إلا رديفا للجهد العام في كل مؤسسات الدولة للتنمية المستدامة، والقيمة المضافة التي يمكن لهذه المؤسسات تحقيقها تدرء عن الوطن التدخلات السافرة لمؤسسات أجنبية قد تحمل أجندات عليها ما عليها من مآخذ.
في الانتخابات البرلمانية والتي نقف على أعتابها الآن، هناك حاجة لتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني فيها، لأكثر من سبب ليس من بينها التشكيك في النزاهة أو الشفافية، وهناك أهداف قيمية أخرى يمكن تحقيقها عبر برامج ومبادرات تلك المؤسسات ربما يكون أهمها زيادة تجسير التفاعل بين المواطن العادي والمشاركة السياسية، فكلنا يعلم أن أغلب تلك المؤسسات تعتمد في تنفيذ مشاريعها على نسبة كبيرة من الشباب الأردني، وهؤلاء لا يتم استيرادهم من الخارج، ولا هم تحويل مالي حسب الطلب، بل شباب أردني متحمس للعمل الوطني، وأمامه فرصة للمشاركة حتى لو على ضفاف العمل السياسي المباشر، مما يزيد في نسبة الوعي والثقافة الديمقراطية.
الرقابة على الانتخابات جهد مشترك لكل قطاعات الدولة، والحكومة طرف رئيس لكن ليس وحيدا، ووجود مؤسسات وطنية رديفة إلى جانب الحكومة حالة صحية ترفد العملية الديمقراطية بكفاءات ستكتسب التجربة والخبرة، وتضيف إلى الرصيد الوطني الكثير من الخبرات الممكنة بالمعرفة، أما أصحاب الأرصدة المتضخمة جراء التشكيك بالوطن ومؤسساته، فهم زبد يذهب جفاءا، ولو بعد حين.
mowaten@yahoo.com