مثل كل كائن خلقه الله، الدولة لها هوية، وشعبها له هوية، وحَرْفُها له هوية. والإنسان له هوية، بل وأنّ للعين هناك بصمة تحدد هوية الشخص. والحجر والشجر والهواء والغبار والرّماد والبحر والكلاب والقطط والماشية كلها لها هوية، إلاّ إسرائيل فهي دولة لا هوية لها.
إسرائيل دولة مفتعلة كان خَلْقُها غريباً، حيث حُضّر الشعب وشُكّلت السلطة، وأُعدّ الجيش ثم أُسقطت على الأرض، فكانت دولة إسرائيل التي يعترف بها معظم دول العالم. حتى السبع والخمسين دولة التي لا تفعل ذلك تمارس هذا الاعتراف ضمنيّاً.
وإسرائيل الدولة المفتعلة، التي سكَّنَتْها بريطانيا وحلفاؤها ومريدوها بين جلدنا وعظمنا، لا تعرف هي لأيّة جهة تنتمي، هل هي أوروبية، أم أمريكية، أم أوسطية، أم شرقية، أم غربيّة، فهل هويتها صادرة عن هذه الجهة أم عن تلك، هي لا تدري!!
وإسرائيل الدولة المفتعلة، لا تدري هل ترتكز في وجودها على القدرة البشرية، أم العسكرية، أم الثقافية، أم العلمية التّقنية، أم الاقتصادية. فهي حيناً تلوّح بالعسكرتاريا ، وحيناً تلوّح بالإسناد الاستخباراتي، وثالثاً تلوّح بالاقتصاد حتى أن رئيسها شمعون بيرس صدّر فكرة تقول إن الشرق الأوسط الجديد، يجب أن يقوم على الاقتصاد، وذلك كأحد الدروب التي تُسهّل دخول إسرائيل إلى المنطقة بقوّة، بل وأنها ستقودها بالضرورة، ولكن العائق أن إسرائيل لا تدري ما هي هويتها.
وإسرائيل الدول المفتعلة، مملوءة بالثقافات ليست المختلفة، ولكن المتخالفة والمتضادة. لذلك نرى أن هناك الكثير من النزاعات الداخلية، والانشقاقات التي تملأ المجتمع الإسرائيلي، مصدرها وباعثها وجود ثقافات متنوعة وغير متآلفة. لذلك فقد غابت عنها الهوّية الثقافية.
وإسرائيل الدولة المفتعلة، لا تملك هوية سيادية واضحة ومحددة. فهي أحياناً تدّعي أنها صاحبة القرار بذاتها، وأنّ لا أحد يملي عليها شيئاً، بل لا أحد يجرؤ على ذلك. وأحياناً نراها تركض «على قد الله ما يعطيها» لتلجأ إلى أمريكا لتحميها من شرور «الأغيار» الذين يريدون ذبحها من الوريد إلى الوريد، كما تدّعي. وهذا يعني أنها دولة تعيش على موائد استراتيجيّات الدول الأخرى وقدراتها. وبالتالي فإنها فاقدة للهويه السيادية.
وإسرائيل الدولة المنتفعة، لا تدري ما هي هويتها، هل هي يهودية، أم ديمقراطية علمانية، أم قوميّة، أم صهيونيّة. فساعة هي هذه وأخرى هي تلك، وذلك كلّه محكوم، ليس بالعقيدة أو بالفكر، بقدر ما هو محكوم بالمصلحة المتدنّية، التي تحدد اتجاهها وهويتها. وفي الوقت الذي تدعو فيه إسرائيل إلى عدم التطرف أو التزمُّت الديني أو الفكري، نراها تنادي بأنها دولة يهودية إلى العظم. وهذا يعني أنها دولة بلا هوية.
وإسرائيل الدولة المفتعلة، هي دولة تقول إنّها دولة سلام، وإنّها لا تؤمن بالعنف أو بالإرهاب، ولكنها في اليوم ذاته تعلن أنها دولة أنشأت مدارس جديدة في العنف والإرهاب والتدمير والقتل. وفي النهار الذي تطالب فيه إسرائيل إيران وغيرها بالكفّ عن بناء القوّة النووية تملك هي مئات الرؤوس النووية التي تهدد المنظمة. وعليه فإن إسرائيل لا تملك هوية سلم أو حرب، بل تملك هوية مصلحة ساقطة في وحل الرذيلة.
وبالتالي فإن إسرائيل الدول المفتعلة، هي، غير كل أهل الأرض، كيان لا يملك هوية.