ما من أحد إلا ويدرك كم هو صبور ذلك الجمل!، يطوي الفيافي كقميص برباطة جأش وعزم، متحاملاً على عطشه وأثقاله، وما من أحد كلف خاطره وسأل ذات تأمل وصفاء: ما الذي يجعل هذا الكائن العجيب صبوراً لهذا الحد؟؟؟!: ألانه لا مرارة له أصلاً؟!، أم أنه استأصلها بعملية جراحية وارتاح، فلا يستشعر عثرات ومكائد هذا الزمان العكر؟!!. وفي حين أن النعامة تسمى الجمل الطائر!!، كونها تتمتع بصفات صورية وشكلية مقاربة للجمل، لكنها تزيد عليه تفوقاً بامتلاكها مرارة كبيرة، مما يجعل إفرازاتها تطحن الحجارة والصوان، وحتى الجمر، لكنها تبدو دائما عديمة الصبر، نزقة متفلتة كزنبرك مضغوط، وهكذا حال من لا مرارة له: فآآآآآآه، لو ننزع منا مراراتنا الملتهبة!!!.
ولأن النعامة بلا مرارة، فما أسرع ما ترتعب من الناس، وتهرب من أدنى طيف لهم، حتى إذا شعرت أن الصياد سيدركها لا محالة؛ دست رأسها الصغير في تلة رمل، معتقدة أنه لن يراها، ولن يرى مؤخرتها المشرعة للريح!!!.
ولكن تعويضا عن سذاجتها، فأنثى النعامة تجعل بيضها أثلاثاً لحكمة مدهشة: ثلثاً للحضن والتفقيس، وثلثاً تأكله خلال فترة الرقود للحض، وثلثاً تكسره وتفتحه؛ فيتعفن ويدوّد، فيكون منه غذاء الأفراخ إذا فقست!!، ومع هذه التوزيعة الذكية فإن لها من الحمق ما يملأ عشرات الأكياس الخيشية، فمن حمقها مع بيضها، أنها تخرج من عشها، فتجد بيضاً آخر، في عش آخر، فتحضنه ظانة أنه بيضها!!.
وريش النعامة أنعم من النسيم وهفهفاته، وبيضها شهي ولحمها أشهى، ولهذا فهي هدف عزيز للصيادين، الذين يصطادونها بطريقتين، فإما أن يوقدوا لها ناراً كبيرة، وما أن تشاهد النار فتندهش وتتمسمر مكانها كالصنم، فيأتيها الصياد، ويقبض عليها حية!!، والطريقة الأخرى بالشرائط السوداء، حيث يعمد الصياد إلى ربطها على أعواد، في مرابض النعام ومراتعه، وحتى إذا أستأنس النعام بهذه الشرائط المهفهفة في الهواء، فإن الصياد يرتدي لباساً أسود، ويدهم النعامة ويقبض عليها بلا عناء من عنقها!!.
في مواسم الانتخابات فإن الصيادين المنتهزين لهذه الميمعيات المختلطة، لا يوقعون الناس بشرائطهم السوداء، أو بنيرانهم الوقادة، بل كثيراً ما يوقعونهم باللافتات البيضاء المثقلة بشعاراتها الرنانة، وعباراتها الطنانة، والتي تقادم عليها الدهر حتى حنطها، متناسين أن لافتاتهم ما هي إلا أكفان بيضاء لطروحاتهم الممجوجة!!.
من الراجح أن ناسنا يستأصلون مراراتهم في مواسم الانتخابات، وإلا لما استطاعوا طوي كل هذه الصحاري المقفرة من الوعود والشعارات!!، فما زال الكثيرون من الصيادين يعتقدون أنهم يطاردون النعام!!.
ramzi972@hotmail.com