حين تمـّول خزينة الدولة حملات المرشحين
ماهر ابو طير
27-10-2007 02:00 AM
دفع الرشاوى ، من جانب المرشحين ، لخوض الانتخابات النيابية ، هو امر محرم ، واذا كانت عدة فتاوى قد صدرت في هذا الصدد ، فان الامر لم يكن بحاجة الى فتوى اصلا ، فلا يوجد عقل ولا شرع يقبل بدفع خمسة دنانير او خمسين دينارا مقابل الصوت الانتخابي.
توزيع الجنيهات الذهبية ، والخمسينات ، على النساء والرجال ، بات امرا متداولا ، في اكثر من دائرة انتخابية ، واذا كان الراشي والمرتشي والوسيط بينهما ، يتكتمون على الامر ، خوفا من القانون او سوء سمعة ، فالاولى ان يخاف هؤلاء من خالقهم ، فاذا كانوا لا يخافونه ، فأي امانة تلك نتحدث عنها في مجلس النواب ، واي حقوق سيدافعون عنها ، بعد وصولهم؟، اخبرني احد المحامين ، وهو صديق لي انه ذهب الى مكتب احد المرشحين ، الذي طلب منه الحضور لتوكيله في قضية شراء ارض ، ولما كان سكرتير المرشح جديدا ، ولا يعرف علاقة المرشح بالمحامي ، اصلا ، طلب اسم المحامي وسجله في كشف عنده ، وسلمه عشرة دنانير سائلا اياه عن موعد احضار هوية الاحوال المدنية ، وفي حالات اخرى ، يتم دفع جنيه ذهب عبر سيدات وسيطات ، لكل النساء الناخبات ، في احدى الدوائر الانتخابية ، ويتولى سماسرة جمع الهويات ، خصوصا ، في المناطق الفقيرة ، على اساس ان الدفع سيكون بعد النجاح وبمبالغ مجزية.
هجمة اصحاب المال على مجلس النواب الاردني ، لشراء المقاعد بأموالهم ، هجمة مخزية ، وهم يتعاملون مع الناس ، باعتبارهم مجاميع بشرية قابلة للبيع والشراء ، ولم يشبع هؤلاء من اموالهم ، بل يريدون السيطرة على مواقع الرقابة والتشريع ، والهدف هو استمرار مصالحهم مستقبلا ، وخصخصة الهواء بعد قليل في هذا البلد ، واذا كانت هناك شخصيات وطنية معروفة وصلت ببضعة دنانير الى مجلس النواب ، ولم تقدم أي هبات او رشاوى ، فاننا اليوم على موعد مع نواب ينفقون مليون دينار ، في الحد الادنى على حملاتهم الانتخابية ، واكثر ، ثم لا تستغربوا اذا تم اعفاء هذه المبالغ من ضريبة الدخل ، كونها ستسجل على اساس انها دفع زكاة او دعم للعمل الخيري ، بما يعني ان الحملة الانتخابية ستكون على حساب خزينة الدولة في المحصلة.
انني ادعو ضريبة الدخل الى التنبه الى المبالغ التي يتم انفاقها ، والى تقديرات الضريبة على اصحاب المال الذين خاضوا الانتخابات ، حتى لا يتم شطب مبالغ من ضريبة الدخل ، تحت عنوان الانفاق على العمل الخيري ، وهي في حقيقتها اموال انفقت على العمل الخيري المرتبط بالانتخابات ، على شكل مؤن غذائية او مدافئ او هبات نقدية عبر جمعيات خيرية او بشكل مباشر ، حتى لا تكتشف الدولة لاحقا ، انها تمول حملات الاغنياء ، عبر الاعفاء الذي تحصل عليه المبالغ الذاهبة للعمل الخيري.
المرشح الذي يدفع رشوة ، او يذكر الناخبين في اعلاناته او اللقاءات التي يعقدها انه محسن كبير او انه دعم فقراء او محتاجين ، جدير بالرسوب ، فهذا عمل رباني ، ثوابه في الاخرة ، ولا يجوز تحميل الناس جمائل بهذه الطريقة ، او معايرتهم ببضعة دراهم تم دفعها ، كما ان دفع ثمن الصوت الانتخابي جريمة مخزية مهينة لكرامة المرشح وشرفه السياسي ، قبل الناخب الفقير ، ولعل دائرة ضريبة الدخل مطالبة ، بعدم اعفاء أي مرشح ثري خاض الانتخابات النيابية ، ووزع مالا ، واعاد تسجيله باعتباره تم انفاقه على العمل الخيري ، حتى لا تتحول الخزينة الى ممول لحملات الاثرياء ، على اساس قاعدة "من دهنه قليلة". وكفى الله المؤمنين القتال