الجعصة الأردنية وجوع السلطة
المحامي جمال الخطاطبة
28-05-2012 12:47 AM
النظرة بطرف العين والنبرة العالية والاستخفاف بالناس والجعصة والهالة الحمراء واستثقال الحديث مع اصحاب الحاجة هذا هو حال معظم أصحاب المسئولية في الأردن ، فالمنصب له بهجته ورفعته والسلطة مطمع وحلم للجميع والوصول إليها له طرقه المعروفة والمشهورة ، كالطبيخ مثلا (طعمي الثم تستحي العين) ، والصداقة والقرابة والنسب وتزكية زوجات الرؤساء والمسئولين لأزواج صديقاتهن ( يا زلمه حط أبو فلان جوز فلانة ) ، وإرضاء للمسئول الفلاني وتمثيلا للمنطقة الفلانية وحصة الجهة الفلانية وغيرها الكثير من الدواعي والأسباب ويستثنى من كل ذلك مبدأ الكفاءة .
لا يدرك مثل هؤلاء أي مسئولية يتحملون وأي أمانة في أعناقهم يحملون ، ينصرف تفكيرهم إلى اللقب الجديد ( دوله ، معالي , باشا ، عطوفة ، بيك ) والى السيارة ذات النمرة الحمراء ( مراسيدس أكيد) والحرس والجاه والوجاه ، وكلام الأقارب والناس واهم أشي الجعصة المرافقة للمنصب والسيجار أبو متر ونص وسماكة 2 أنش والعزايم والمجاملات وأمرك يا سيدي وغيره مما نسمع ونرى .
جعصة الكرسي والمنصب تجعل من مسئولنا المبجل ثقيل اللسان وصاحب كشرة كبيرة ونظرة حادة وحساسية عالية تجاه كلام الآخرين ، فالويل لمن ينسى اللقب قبل الاسم والخضوع في الكلام ، تتغير لهجته مع الصديق والقريب كيف لا وقد أصبح مسئولا يخزي العين عنه ، وفي هذه المرحلة يكون التصنيف أربعة ونص نجمة للجعصه ونص نجمة للخدمات التي من واجبه تقديمها
في كل مكان نرى الجعصة الأردنية مسيطرة بشكل يجعلها المصطلح الأفضل الواجب إطلاقه على الشعب الأردني ، الدولة والمعالي والباشا والعطوفة والبيك يطبقون مبدأ الجعصة على أخر طراز ، الموظفين ومدراء الدوائر و المديريات والأقسام يتدربون باستمرار على الجعصة تمهيدا لممارستها مستقبلا ، الشيخ والوجيه والمختار أبو قرافة من كبار أصحاب هذه النظرية ، المواطن العادي لا يرغب بأي عمل أو وظيفة بدون مكتب يجعص عليه ، كيف يعمل بالحرف والمهن والباطون وهو ابن فلان من العشيرة الفلانية ، إذا تلاسنت مع أي أردني أول عبارة تسمعها (أنت عارف أنا مين ) وهكذا .
هل من واجبنا أن نذكر مثل هؤلاء المسئولين أن هذا المنصب إلى زوال وان الكرسي لا يدوم ،هل من الواجب أن نذكر كل من يتعاطى مع المسؤولية والمنصب بهذه الطريقة أن كلمة مسئول تعني انه مسئول أمام الله وأمام الناس وأمام ضميره عن ما يقدمه في جمعته المشمشية في المنصب السريع الذوبان ، هل يا ترى يفهم المسئول أبو جعصه أن مرتبة المواطن أعلى من مرتبته ، كيف لا وهو معين ليخدم المواطن والوطن ومرتبة المخدوم أعلى من مرتبة الخادم ، هل يعلم أن ما يبذره من أموال لغايات الجعصه والكبر هو من جيوب المواطنين (جيب مخدومه) .
حبنا للسلطة والنفوذ جعل منا شعبا يميل إلى المجاملة وقلة الانجاز والميل للمظاهر التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، أصبحنا شعب مستهلكا متفسخا متنافسا على كعكة السلطة والمسؤولية ، كثر فينا النفاق وحب التسلق و الخداع والتجرؤ على المال العام وانتشرت فينا الأمراض الاجتماعية وازداد فقر الفقير و غنى الغني وغابت العدالة الاجتماعية بغياب حس المسؤولية و تقديم المصالح الخاصة على المصلحة العامة وحكم الفاسدون وتسيدوا وافسدوا حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن .
إن من اكبر مظاهر الوطنية الصادقة هو حس المسؤولية وأداء الواجب بصدق وأمانة ، وإخلاص العمل وحماية حقوق الوطن والمواطنين ، فكل دينار ينفق من قبل أي مسئول في غير مكانة واي تقصير في أداء الواجب هو خيانة للوطنية الصادقة وفساد سيحاسب عليه وأي حساب ، فالسلطة ليست نفوذ وإنما مسؤولية والمسؤولية أمانة يجب رعايتها وإخلاص النية والعمل في القيام بشؤونها ، لا نريد مسئولا يجلس في مكتب فخم مكلف ولا يشعر بمعانات الناس وحاجاتهم ، نريد من يخلص العمل ويؤدي واجبه بكل أمانة ونزاهة ومسؤولية ويترك مكانه وكرسيه وجعصته ليخدم المواطنين بنفسه ويسهل عليهم أمورهم ويعاملهم بإنسانية وضمير حي من غير عجرفة أو كبر أو جعصة على الفاضي .
jamallawfirm@yahoo.com