التحالف بين المتطرفين .. علمانيين وسلفيين
ياسر ابوهلاله
25-05-2012 03:55 AM
تشهد بلدان الربيع العربي سجالا بين النخب سخيفا وغبيا ومفتعلا، بقدر ما تبتعد تلك النخب عن مواجهة التحديات الحقيقية، وكأي سجال يخلق حالا من الاستقطاب والاستعداء والكراهية دون التوصل إلى نتيجة؛ فالمحاور يحاول الوصول إلى الحقيقة، والمساجل يريد الإطاحة بخصمه ولو بالباطل. في تونس التي تشكل النموذج الدافع إلى الاقتداء، نشهد أسوأ تلك السجالات، سواء بين الإسلاميين والعلمانيين أم بين الإسلاميين أنفسهم سلفيين وإخوانيين.
لا ريب أن ذلك السجال من طبيعة البشر، وخصوصا في المراحل الانتقالية. وتلك الطبيعة تستخدم لغما لتفخيخ التجربة من أعدائها المتضررين منها. فبقايا نظام زين العابدين بن علي من بيروقراطية الدولة والأمن والإعلام والجامعات، يخوضون صراع بقاء من خلال إفشال النظام الجديد. وقد وجدوا ضالتهم في المتطرفين من علمانيين وسلفيين، الذين تحالفوا موضوعيا لتفخيخ التجربة.
لقد تم بناء صنم للعلمانية، ومن لا يقدم له النذور والقرابين لا يدخل جنة الحداثة والتقدم. ويتجاهل هؤلاء أن التنوير في الغرب مر قبل تبلور مفهوم العلمانية؛ لم يتعمد فولتير في معبد العلمانية. ويتجاهلون أيضا التنوع في علمانية الغرب، إذ لكل علمانية خصوصيتها؛ فاليوم يعتبر ارتداء الحجاب، مثلا، زيا طائفيا في فرنسا، وفي أميركا ومعظم الغرب يعتبر جزءا من الحرية الشخصية.
والتجاهل الأكثر غباء هو للموروث الحضاري لنا. فالدين ظل تاريخيا يعمل في فضاء مستقل عن السلطة السياسية. بوفاة الرسول عليه السلام انقطعت العلاقة بين الأرض والسماء، ولم يعد الخلفاء يمثلون المرجعية الدينية؛ علاقة الأمة بكتابها القرآن مفتوحة ومباشرة. مبكرا رفض أبو حنيفة تولي القضاء، ورفض ابن حنبل تبني مقولة الخليفة المعتصم بخلق القرآن. ومن الخلافة الراشدية إلى العثمانية لم يكن الخليفة خاضعا للمسجد كما كان ملوك أوروبا خاضعين للكنيسة. الاستثناء الوحيد كان في ولاية الفقيه التي طبقها الخميني في إيران، جامعا بين الدين والسلطة.
على عراقة الزيتونة في تونس والأزهر في مصر، فإنهما لا يتصدران المشهد السياسي؛ يوجد ساسة يتبنون قيم الدين في العدل والنزاهة والحرية والإحسان، ولا يزعمون أنهم يتلقون وحيا بما يفعلون، بل هم يجتهدون في الفهم والتطبيق. والخلاف في المجتمع سياسي لا ديني، والأحزاب تتنافس على برامج تخفف من معاناة الناس وتسعى إلى رفاههم. ويظل للدين في كل المجتمعات البشرية حضور مؤثر.
إن الصراع ليس بين علمانيين وإسلاميين في جوهره، بل بين المتطرفين والمعتدلين في المعسكرين. إن هزيمة المتطرفين ستفتح آفاق منافسة صحية، تسعى إلى تقديم الأفضل. وفي تونس، نجد تيارات حقيقية معتدلة قادرة على تحقيق أعلى درجات النمو السياسي، وهي تقدم أنموذجا على مستوى المنطقة وتطمئن شعوبها بقدر ما تطمئن العالم.
ساحات السجال لا تقتصر على الإعلام، بل تشهد فعلا ميدانيا، كما حصل في إحراق محل بيع خمور على يد سلفيين. وقد عبرت حركة النهضة عن ضيقها، وكأنها تنهي الهدنة مع التيار السلفي، أو الشق المتطرف فيه. وتلك الحادثة وغيرها تقدم هدية كبرى للمتطرفين العلمانيين؛ إنه حريق يخيف التونسي المتدين ويخيف السائح، ولا تستفيد منه إلا فلول بن علي.
yaser.hilila@alghad.jo
الغد