الصادق المهدي: إذا فكر أخوان مصر في الانفراد بالحكم سيلاقون مصير التجربة السودانية
24-05-2012 01:25 PM
** القوى السياسية الإسلامية التي جاءت عبر الانتخابات أمام تحديات يجب أن تدركها
الدوحة – عمون - قال الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي السوداني إن حزب الأمة سيقوم بصياغة اتفاقية سلام وطنية كاملة تشترك فيها كل القوى السياسية، لافتاً إلى أن الحزب سيقوم بعقد مؤتمر للسلام يشارك فيه الجميع بغية التوصل إلى اقتراح اتفاقية للسلام تطرح كل الحلول وأن هذا المؤتمر سيكون مرجعاً للحوار الجنوبي الشمالي ومرجعاً لمجلس الأمن والاتحاد الأفريقي اذا لزم.
وأكد أن هذا المؤتمر سيشارك فيه حملة السلاح والجنوبيون والحكومة، داعيا كافة الأطراف السودانية إلى المشاركة في هذا المؤتمر والى أن يجلسوا للحوار والاتفاق "وإلا فان الحل سيفرض عليكم جميعاً".
وقال في حوار أجرته جريدة الشرق القطرية وتنشره "عمون" بالتزامن إن السودان في محنة شديدة أساسها أن النظام القائم في السودان الذي قال انه مثل كل النظم التي أطاحت بها حركات الفجر الجديد إذ أن الحكم يسيطر عليه حزب واحد ويتميز بايديولوجية رسمية عازلة للآخرين وإعلام (طبال) وأمن قاهر لكل منتقد واقتصاد محابي للمحاسيب.. وزاد "هذه هي معالم نظام الشرق الأوسطي"..
وقال إن السودان فيه من العلل التي يشترك فيها مع النظم الأخرى السائدة في البلدان التي أسسها الإنقلابيون الذين يتفقون في هذه المعالم مهما اختلفت الشعارات، لافتاً إلى أن وجود حرب أهلية بين الجنوب والشمال عقّد الأمور في السودان على الرغم من أنها كانت قديمة ولها أسباب كثيرة.
وفي غضون حديثه التاريخي عن أسباب المشكلة قال "إن أهم بذرة زرعت في السودان وكانت أهم أسباب البريطاني هي سياسة المناطق المقفولة منذ عام 1922 على نوع من الفصل العنصري على أساس أن يفصل الجنوب من بقية السودان وتمنع فيه أي مظاهر للإسلام أو العروبة أو الثقافة الشمالية ويحتكر للمؤسسات التبشيرية الأجنبية.
وقال إن هذه السياسة في ذلك الوقت جعلت الحكومة تضع في أيدي المبشرين كل الميزانيات المطلوبة للصحة والتعليم وكل الخدمات الاجتماعية وليس التبشير الديني وحده، منوهاً بان مثل هذا التصرف زرع روحاً مختلفة بين الشمال والجنوب
وأضاف "ان الانجليز عندما رأوا أن هذا الأسلوب يؤدي في النهاية إلى انفصال الجنوب عدلوا عن الفكرة لأنهم رأوا أن الجنوب لا يصلح للتخطيط وليس له مستقبل وهناك نواقص كثيرة لتكوين دولة مستقلة كما أن الجنوب لا يصلح ان يضاف للبلدان الافريقية مثل كينيا ويوغندا اللتين تحت التاج البريطاني باعتبار ان هذين البلدين مليئان بالتنوع والتعدد وفيهما خلافات أثنية وغيرها وبالتالي تبعية الجنوب إليهما يعرقل الوحدة الوطنية فيهما لذلك رأوا أن يتبع الجنوب إلى الشمال السوداني.ولم يكن أمام الانجليز وقت حتى يقضوا على آثار السياسات الانفصالية.
ولفت إلى أن القيادة الجنوبية ارتكبت خطأ كبيراً جداً يتمثل في احتلال منطقة هجليج النفطية التي يوجد فيها معظم بترول الشمال.. وقال إن القيادة في الشمال كان عليها أن تتوقع هذا الهجوم من قبل الحكومة جنوب السودان طالما أنها حرمت من نقل بترولها إلى الخارج.. وقال انه كان على الحكومة السودانية أن تحمي بترول الشمال من الجنوبيين.. وزاد القول "ان الجنوبيين سبق أن هاجموا البترول في مرة من المرات ثم انسحبوا ثم احتلوا هجليج مرة ثانية.
وجدد المهدي التساؤل: كيف أهملت الحكومة السودانية حماية البترول طالما انها توقعت الهجوم من قبل الجنوب.. وكان على الحكومة السودانية أن تقدر أن الجنوب لن يترك بترول الشمال أن ينساب في الأنابيب طالما انه محروم منه.
ووصف احتلال هجليج بأنها عملية حمقاء، لافتاً إلى ان الضغط الدولي الكبير الذي ظهر من الولايات المتحدة ومن الاتحاد الأوروبي على جنوب السودان للانسحاب من هجليج لانه في حالة عدم الانسحاب فان الحرب ستقوم..
وقال ان الجنوبيين تفاجأوا بهذا الموقف الدولي من قبل هذه الجهات الدولية لأنها دائما ما تقف معهم وتحميهم.وقال إنهم قرروا الانسحاب لكن قبل الانسحاب حدث الهجوم عليهم من قبل الشمال لتحرير المنطقة.
وبسؤاله حول الربيع العربي الذي افرز قيادات إسلامية وهناك رهان على القيادة التونسية وتجربة الشيخ راشد الغنوشي وهل تتفق مع رؤيته أو أنت مع الرؤية الأخرى التي ترى تحييد دور الدين عن المجتمع؟ أجاب: أنا توقعت مبكرا أن يكون الربيع العربي ربيعاً إسلامياً باعتبار أسباب عديدة تؤكد أن الإسلاميين قادمون عبر الصناديق لكن اذا فكروا في الانفراد مثلما حصل لنا في السودان سيكون هناك كرسي محاكمة وإخفاق ويضيعوا فرصتهم التاريخية ولكي لا تضيع هذه الفرصة لابد للقوى السياسية الإسلامية التي جاءت عبر الانتخابات أن تدرك ان عليها التحديات الآتية:
الوحدة الوطنية وكيف تخاطب الآخرين والاقتصاد وكيف تحل المشكلة الاقتصادية، المواطنة وكيف تحميها، علاقاتها الخارجية وكيف تنقلها من التبعية ليس إلى العداء ولكن إلى الندية. وقد وضعت شروطاً للقوى الإسلامية القادمة حتى تنجح لابد ان تلتزم بها وإلا وجدت نفسها في موقف تفشل باسم الإسلام مثلما حصل في السودان وأقول ان الطرح الإسلامي قائم في طيف عريض ما بين طالبان في اليمين واردوغان في اليسار وما بينهما والطريق الذي يسير فيه راشد الغنوشي يشبه هذا الأمر انه من منطلق إسلامي هناك استجابة لهذه التحديات وان هذا مفروض ان يكون النهج الذي يجب ان تنتهجه القيادات الإسلامية القادمة في مصر وقد التقيت مؤخرا أثناء زيارتي لمصر جماعة الاخوان المسلمين وجماعة حزب النور السلفيين والمدهش ان اللغة التي كان يتحدث بها السلفيون مبكرا تغيرت ولمسوا الواقع وبدأوا يتحدثون بلغة واقعية وهم الآن يؤيدون عبد المنعم ابو الفتوح ويقولون كلاما اعتقد انه فيه مراعاة كثيرة جدا للواقع، وسألنا الاخوان المسلمين عن أسباب تراجعهم عن موقفهم بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة ولكن لم نلمس في كلامهم الحديث عن نحن او الطوفان والقوى الإسلامية القادمة مدركة تماما أنهم ليسوا رأس الرمح في الثورات التي حدثت والناس التي قامت بالثورات هم كل الناس وصحيح أنهم فازوا انتخابيا ولكن هذا لا يجعلهم يتجهون نحو الانفراد وقلت لهم بوضوح تام إذا فكرتم في الانفراد سيحدث لهم ما حدث للتجربة السودانية وإذا فكروا في التجربة التونسية فمن الوارد أن ينجحوا، ومصر ليست مثل تونس للأسباب الآتية:
أولاً في تونس الجيش لم يلعب دوراً فابن علي هرب وحل محله الحرس المدني القديم والجيش بعيد عن السياسة لكن الجيش المصري قام بانقلاب وحكم ولعب دورا في إبعاد مبارك فعنده رصيد سياسي كبير والاخوان المسلمون أو من يكون الحاكم الجديد أمام شرخين يجب معالجتهما الشرخ الإسلامي العلماني والشرخ المدني العسكري وبقدر الإدارة الناجحة لهذه الملفات يمكن ان يتحقق الاستقرار وإلا فان اي واحدة من تلك القضايا ستسبب مشاكل كبيرة جدا وإذا فشلوا في ادارة العلاقة الاسلامية العلمانية فهذا سيجلب مشاكل في الأقباط ومشاكل لا اول لها ولا آخر واذا فشلوا في التعامل المدني العسكري فهذا سيجلب مشاكل مع القوات المسلحة والموقف في مصر معقد ويزيده تعقيداً أن نصيب القوى السلفية في الرأي العام المصري كبير جدا وهذا يعني ان القوى الإسلامية الاخوانية يجب ان تراعي الخلاف في الملف الإسلامي ذاته والخلاف الإسلامي العلماني والعلاقة مع الجيش والعلاقة مع الولايات المتحدة بما يتصل باتفاقية كامب ديفيد والالتزامات المرتبطة فالموقف المصري امام تحديات كبيرة جدا ولا يصلح ان يقولوا بالسير في نفس خط مبارك ولا بد من خط جديد يراعي التوازنات تلك وكلهم مدركون هذا الكلام واذا نجحوا في التوازنات سينجحون في الحكم.
أما قضية إبعاد دور الدين من السياسة فهذا كلام خرافي ليس له اي اساس ولا يمكن ان يتم وهناك كتب ظهرت في الغرب عن اليمين المسيحي الحاكم تشير الى اليمين الامريكي في الحزب الجمهوري وكاردينال نيويورك أصبح ناشطاً سياسياً وهناك كتاب عن اللوبي الاسرائيلي يتحدث عنه كأقوى حزب سياسي في امريكا وانه يتلاعب بالسيناتورز والنواب كما يشاء وقد رأيت مشهدا لايزال عالقا في ذاكرتي خلال زيارة نتنياهو الاخيرة الى واشنطن وحضوره للاجتماع المشترك للنواب والشيوخ فقد قاطعوه بالتصفيق 9 مرات بعضها كانوا وقوفا، رغم انه قال كلاما خرافيا ليس له اي قيمة، ولكن هذا دليل على الوزن الديني في السياسة الامريكية واسرائيل لم تكن تتحدث من قبل عن يهودية الدولة ايام حزب العمل لكن الان الكلام كله عن يهودية الدولة واعتماد الحكم القائم على الاحزاب اليمينية، فإبعاد الدين عن السياسة مستحيل والمطلوب تنظيم العلاقة بين الدين والسياسة بما يحافظ على حقوق المواطنة وحقوق الاخرين وهذا وارد في الاسلام، وابعاد الدين من السياسة كلام اناس لديهم آمال علمانية مثل مراد وهبة وغيره وهم يحلكون لكن الواقع ان الدين داخل في السياسة وحتى في جنوب السودان فكثير من العلمانيين الشماليين أحدهم وقف ذات مرة منتقدا لقرنق وقال له اذا جئتنا بالعلمانية سنؤيدك لحكم الشمال والجنوب فقلت لهم انتم لاتعرفون الواقع السوداني فدستور الجنوب يعتمد فيه التشريع على العرف والاجماع والعرف يجيئهم من الدين، وهناك دور كبير جدا للكنيسة في الجنوب فهي اكبر تنظيم مدني هناك، ولذلك فالكلام عن ان الجنوب علماني كلام فارغ وهناك مظاهر كبيرة جدا للقوة الدينية، والمملكة المتحدة كذكل فالملكة تعتبر رئيسة مشتركة للكنيسة وللدولة واللوردات الذين لديهم دور تشريعي ودور قضائي عدد منهم قساوسة، ولديهم صلاحيات تشريعية وصلاحيات قضائية، والكلام يجب ان يبنى على حماية حقوق المواطنة وحماية حقوق الآخرين الدينية فلا نفرض على الآخرين ما ليس في دينهم وهذا لا يعني أننا يمكن أن ننفي الدور السياسي والتشريعي للاسلام في حياتنا.
وحول ملاحظاته على البناء الداخلي للأحزاب وعلاقاتها والدور الذي تمارسه ومواقفها السياسية والاثنية؟ يقول الصادق المهدي : اعتقد اننا في مرحلة بها نوع من التشويش لكن نحن في حزب الامة الحزب الوحيد في المعارضة الذي يحافظ على انشطته التنظيمية باستمرار فعقدنا حتى الان 7 مؤتمرات وكل مؤسساتنا منتخبة وكل قياداتنا منتخبة وعندنا باستمرار وكل شهر اجتماع او اثنين للمكتب السياسي ولمجلس التنسيق ونحن صمدنا هذه المدة الطويلة رغم ان الانقلاب كان يعتبر استئصالنا اهم اهدافه ومشكلة دارفور احد وجوهها تمزيق النسيج الاجتماعي حتى يحطموا حزب الامة فجاءت لهم بنتائج عكسية واعتقد ان حركات دارفور الحالية عندها مؤكد سند شعبي ولكن هم يعلمون ان السند الشعبي ليس كافيا ليلعبوا دورا قياديا في المستقبل ولمصلحة دارفور نفسها وعندما تأتي الديمقراطية فأمامهم خيارات اما ان يلتحقوا بحزب الأمة ويحتلوا مواقع فيه باعتباره الحزب الأقرب بالنسبة لهم او يتحالفون معه في برنامجه الوطني المشترك او يعملوا خارجه لكن عندئذ سيكون نصيبهم من العمل السياسي محدود لأن فرصتهم في لعب دور قومي هي عبر حزب الأمة وليس على حساب حزب الأمة، والمهم أننا مستمرون في الحفاظ على تنظيمنا وطرح المبادرات الفكرية والسياسية واعتقد أن هذه المبادرات هي التي تصنع للحزب دورا جديدا فالأحزاب السياسية ليست مجرد مسائل تنظيمية بل المواقف التي يتخذها الحزب فكريا وسياسيا هي نفسها تعطي الحزب مصداقية ودورا في المستقبل، والأحزاب السياسية القائمة في الساحة الآن مهما كان تنظيمها إذا لم يكن لديها فكر جيد أو مساهمات سياسية أو مبادرات فلن تكتب لها القدرة على الاستمرار، ولذلك انقرضت أحزاب كانت لها شعبية ولكن ليس لديها مبادرات أو مساهمات فكرية وسياسية وتنظيم مستمر ونحن مجتهدون في استمرار بطرح المبادرات بما يخلق للحزب دورا جديدا في الحاضر والمستقبل.