لا خوف على الدينار في هذه المرحلة.
الاستهلال جواب لكل من يسأل بخوف عن سعر صرف الدينار، بعد أن اتسع مدى الحديث عن مستقبل الدينار بين الأردنيين، دون الارتكاز إلى معطيات رقمية تؤكد المعلومة أو تنفيها.
خلال الفترة القصيرة الماضية، شهدنا مسلكيات غير مريحة، عكست حالة من عدم الطمأنينة والقلق حيال سعر صرف الدينار. وهذه المشاعر نابعة من الضغوطات والمشاكل الكثيرة التي تشهدها المالية العامة، وتحديدا ما يتعلق بالعجز وتمويله.
الخوف القائم على التسرع دفع البعض إلى تحويل أرصدته من الدينار إلى الدولار، وسط أسئلة كثيرة ومتكررة حول مصير العملة الوطنية بعد تفاقم المشكلات.
وشهدت محال الصرافة طلبا أعلى على العملة الخضراء، الأمر الذي جعل بعض الصرافين يستثمرون الحالة بطريقة غير قانونية، إذ تم بيع الدولار بأعلى من سعره الثابت، بدافع استثمار الحالة النفسية للعملاء.
السلوك الفردي للبعض يعكس حالة هلع على الأرصدة بالدينار، رغم أن المعطيات الرقمية مطمئنة ومريحة حتى اللحظة، وتحديدا ما يتعلق بالاحتياطي الأجنبي؛ إذ ما يزال هذا المؤشر مرتفعا، وتبلغ قيمته ما يزيد على 9 مليارات دولار، رغم تراجع كثير من المؤشرات وثيقة الصلة به؛ مثل السياحة، وتحويلات العاملين في الخارج، والاستثمار.
فالمستوى السابق للاحتياطي مريح رغم النزف المتواصل الذي يلم به منذ أشهر، وقيمة الاحتياطي مقارنة بحقبات سابقة غير مقلقة، خصوصا أن المملكة تمكنت من الحفاظ على الدينار واستقراره النقدي في ظل احتياطات تراوحت بين 4-5 مليارات دولار في سنوات مضت. كما أن الحديث عن وضع الدينار مستمر منذ أزمة 1989، ولم يتوقف بسبب الخسائر الكبيرة التي لحقت بالمجتمع في تلك الفترة.
المؤشر الآخر الذي يؤكد أن وضع الدينار لم يصل بعد حدود الخطر، يتعلق بحجم التحويل اليومي من الدينار إلى الدولار؛ إذ تراجعت قيمته من 10 ملايين دولار قبل أشهر إلى حوالي 2 مليون دولار خلال الفترة الأخيرة بحسب معلومات رسمية، ما يعني أن قيمة التحويل تراجعت، وهذه نقطة إيجابية.
لكن الحماية المتوفرة لغاية الآن، وضمان ديمومتها، لا تكفي، إذ ثمة تهديدات كبيرة تطل برأسها، ما يحتاج إلى اتخاذ خطوات إصلاحية حقيقية تتعلق ببندي الإيرادات والنفقات، إذ إن معالجة جزء من التشوهات فيهما سيساعد على التخفيف من مأزق المالية، ويشد من أزر الحكومة في توفير سيولة إضافية لتغطية أقساط الدين العام، بشقيه الداخلي والخارجي، وعجز الموازنة.
الخوف على الدينار ليس إلا جزءا من القلق على الاستقرار الاقتصادي وتحديدا المالي. فوضع الموازنة خطر، وأخطر ما فيه تمويل العجز؛ إذ تشير الأرقام إلى أن تغطية العجز، والذي يتوقع أن تبلغ قيمته نهاية العام الحالي نحو 3 مليارات دينار، يتم من البنوك المحلية، ما ينتج عنه سحب السيولة من الجهاز المصرفي المحلي الذي لا يمتلك السيولة اللازمة لسداد قيمة العجز الخطيرة.
حل المأزق الاقتصادي يتوزع على مسارين: مالي وسياسي، فالحلول المالية وحدها لا تكفي. وسيخلق الإصلاح السياسي، إن كانت نتائجه الاستقرار وعودة المحتجين إلى ممارسة حياتهم الطبيعية دون الخروج بشكل أسبوعي إلى الشارع، شعورا بالراحة والأمان لدى كثير من الأطراف التي ترقب المشهد المحلي، وتحديدا الأردنيين المغتربين والسياح والمستثمرين.
تحسن مزاج هذه الفئات حيال الوضع في الأردن كفيل باسترجاع جزء مهم من السيولة التي حرمت منها الخزينة، وهي عوائد الاستثمار وحوالات العاملين في الخارج والعملات الصعبة التي تجلبها السياحة.
الدينار اليوم بأمان، بيد أن حمايته مستقبلا تتطلب السير في الإصلاحين معا، بشكل متكامل وغير منقوص ومشوه.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد