عن الإصلاح الذي لا نرفع شعاراته 2
جهاد المومني
24-05-2012 04:22 AM
الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل هي لب المشكلة التعليمية برمتها، وهي ما تحتاج الى جهد والى قرارات شجاعة ومبادرات خلاقة لتخطي ثقافة التعلم بهدف الحصول على الشهادة وجعلها واجهة اجتماعية، او ما يمكن وصفه بالتعلم الاجباري كمظهر وليس كمعرفة وقيمة انسانية تميز المتعلم عن سواه ليس فقط بمقدار ما يعرف، وانما بمقدار ما هو مؤهل للقيام به كفعل ابداعي او حتى وظيفي وما يعرف بالكفاءة والعطاء المتميز.
الكم والنوع اذا اجتمعا في منتج واحد حتى لو كان التعليم اصبح هذا المنتج سلعة رابحة لا منافس لها، وعندما نتحدث عن احتياجات سوق العمل في القرن الحادي والعشرين فإن نوعية التعليم تتقدم على كميته، فما حاجة السوق لجيوش من الخريجين الذين لا وظائف لهم ولا يحتاجهم سوق العمل ولا يمكن تصديرهم ككفاءات وقوى عاملة ماهرة، فبينما نعاني نقصا في الخريجين المتميزين بتخصصاتهم ومهاراتهم الموازية للتعليم الاكاديمي، فأننا نعاني فائضا في اعداد الخريجين الذين اما انهم اختاروا التخصصات الاسهل والارخص والتي سمح بها تقديرهم المدرسي ( التوجيهي ) وامكانياتهم المالية، وإما انهم اجبروا عائليا وعشائريا ومجتمعيا على دخول الجامعة لتحصيل قيمة اجتماعية منافسة تميزهم ضمن محيطهم الضيق دون ان يكون لها قيمة وظيفية او ابداعية ..!
في منتدى منظمة التعاون والتنمية من باريس تحدثت جلالة الملكة رانيا عن الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، وبذلك فان الملكة رانيا وهي صاحبة جملة مبادرات هدفها تحسين نوعية التعليم، تضع اليد على الجرح الاردني تماما في قضية التعليم بشكل عام، فما نعانيه واضح وغير مستتر ولكنه حتما مثله مثل بقية برامج الاصلاح وتشريعاته يحتاج الى عمل مخلص وحراك مجتمعي وقرارات شجاعة, واولا وقبل كل شيء الى وعي الجميع بأن الاصلاح المطلوب هو الاصلاح الذي يعالج قضايانا واوجاعنا الحقيقية ضمن سلم اولويات منطقي يراعي الخصوصيات الوطنية ويأخذ بعين الاعتبار مبادئ اساسية في اي عملية اصلاح نجحت على مستوى العالم، فالتعليم اولا لانه اساس الوعي بدوافع وحدود عملية التغيير,وهو ايضا من اهم ضروريات القبول والمشاركة والتعامل مع بقية ملفات الاصلاح، والتعليم هو القاعدة الاقوى والامتن للديمقراطية .
خلاصة القول ان التعليم في الاردن يحتاج الى عملية اصلاح واسعة تبدأ بالمراحل الدراسية الابتدائية والاعدادية والثانوية وصولا الى الجامعة، وفي كل هذه المراحل فإن جوهر المشكلة يبقى في التميز ونوعية التعليم لا في عدد الطلاب والمعلمين واعداد المدارس، فاليوم ليس الامي من لا يعرف القراءة والكتابة وحسب، وانما من لا يحسن التعامل مع الحاسوب والانترنت وتكنلوجيا المعلومات المنتشرة بين ايدي الصغار والكبار, ويبقى التوجيهي بوضعه الحالي اصل البلاء، ذلك ان التلميذ الاردني ما أن يبدأ مشواره المدرسي تبدأ معه رحلة الخوف من التوجيهي والسعي لتجاوز هذا المطب التاريخي بنجاح وتجميع أكبر قدر من العلامات لتحصيل المعدل، وعند هذه الغاية بالذات يتراجع نوع التعليم امام كل الوسائل الداعمة لتحصيل المعدل الذي يؤهل الطالب لدخول الجامعة، وهنا ايضا تبرز مشكلة اكثر خطورة وهي ان الجامعة كمكان تكون حلما بدون تمييز بين تخصص وآخر، فالمهم ان يقبل في الجامعة وبعد ذلك يقرر المعدل نوعية الدراسة وليس الميول ولا الموهبة ولا سيرة الطالب وابداعاته خارج المنهاج المدرسي .
اذن التوجيهي هو الذي يقرر حجم الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل الا في نسبة قليلة من الحالات وهي ما تعرف بحالات التفوق، وهذا يعني ان عملية الاصلاح في مجال التربية والتعليم يجب ان تتركز الان على ايجاد حل لمشكلة اجتماعية وتربوية واقتصادية ثم بالمحصلة سياسية اسمها التوجيهي، والمستغرب فعلا ان حكوماتنا التي تتشكل غالبا من اكاديميين حملة شهادات عليا من جامعات غربية ويقضون سنوات على مقاعد التعليم الجامعي في الدول المتقدمة في مجال التعليم، هذه الحكومات لا تطبق مشاهدات الوزراء والرؤساء هناك، فالتوجيهي مثال على سياسة التعجيز التي تضر بعملية التعليم وبسوق العمل، وقد اقترحنا في مقالات سابقة حلولا جذرية لمشكلة التوجيهي بتغيير سياسة الامتحانات بهدف تجميع العلامات الى اختبارات قدرات ومواهب وابداعات تقرر نوع التخصص بالاستناد الى ميول الطالب وحاجة البلد على اساس قاعدة واعية من التخطيط السليم للمستقبل، فلا نستهلك التعليم كما نستهلك البيتزا.!
الرأي