رفض التمثيل في المشاهد الفاضحة و المزورة .. عن عبد الرحيم ملحس بالمناسبة
عودة عودة
22-05-2012 04:51 PM
قلة من رجالنا ممن هم في موقع المسؤولية يستطيعون أن يتحولوا بسرعة الى ممثلين ماهرين و نجباء في "المشهد الفاضح و المزور" و من هؤلاء الرجال الدكتور عبد الرحيم ملحس "أبو غدير" فهو الذي قال و بالفم الملآن العام 96 من القرن الماضي : "دواؤنا و غذاؤنا فاسدان" بعكس كثير من زملائه الوزراء الأشاوس الآخرين الذين تقلدوا نفس هذا المنصب قبله و بعده و في هذه الوزارة الثقيلة .. و الإستراتيجية الذين كانوا يقولون وبالفم الملآن أيضاً: "كله تمام" .. غذاؤنا ودواؤنا ومستشفياتنا تمام التمام.
بعد ذلك وفي انتخابات 2010 اُنتخب الدكتور عبد الرحيم ملحس نائباً و في الدائرة الثالثة أهم الدوائر الإنتخابية في العاصمة .. وفي المملكة أيضاً .. لم يكن يحضر جلسات مجلس النواب إلا عندما يكون المكان آمناً وخالياً من المصائد والأفخاخ ... وعندما كان يحس أن هناك و لو فخاً أو مصيدة واحدة يرفض التمثيل في المشهد الفاضح و المزور فينتقل فوراً الى مسرح آخر و مشهد آخر مكانه هذه المرة "شُرفة الزوار" في المجلس ولا داع للتذكير في المناسبات والدخول في التفصيلات فمواقفه مسجله في سجل الرجال والنواب الشجعان والطاهرين أيضاً.
عرفت هذ الصفات الكريمة والنبيلة في الدكتور عبد الرحيم ملحس قبل نحو عشرين عاماً .. ففي العام 94 من القرن الماضي وصل عمر مستشفى ملحس الذي كان هو مديره نصف قرن وكما يبدو أُرسل لرئيس التحرير دعوة للمشاركة في الإحتفال و دفع استاذنا طيب الذكر محمود الكايد بطاقة الدعوة لي لأكتب مادة صحفية عن هذا المستشفى العريق الذي أُسس العام 1946 وهو أول مستشفى خاص في الأردن، والتقيت بالدكتور ملحس بعد يوم أو يومين لم يقل لي أي شيء كل ما قاله لي أدخل إن شئت الى المرضى والأطباء والممرضين والناس والخدم في المستشفى و أكتب ما شئت وهذا ما حصل بعكس آخرين يجبرونك على التقام كثيراً من الجمل الكاذبة والمزورة ..!!
قبل أيام قليلة وقع بين يدي كتاب جديد وأنيق للدكتور عبد الرحيم ملحس ... لفت نظري عنوانه الرائع: "لماذا نحن هكذا .. أسباب التقهقر العربي" ولفتت أشاء أخرى جميلة جداً و منها : أن لا شيء في الدنيا تستطيع إجبار انسان بأنه قد هرم و انتهت صلاحيته، فوق ذلك فاجاءني كتاب أبو غدير هذا و هو خروج آخر من التمثيل في المشهد العربي الفاضح .. والمزور أيضاً.
ويرى الدكتور ملحس في كتابه أن أكثر الشعوب العربية تشعر أنها تعيش عصراً ليست راضية عن وضعها العام فيه سماه بعضهم "عصر الإنحطاط" و سماه الآخرون "عصر ازدهار الإنحطاط" ليأتي آخر فيسميه بمرارة واضحة "عصر إنحطاط الإنحطاط" , هذه حقيقة لا يمكن تجنب الإعتراف بها .. حقيقة تبعث شعوراً بالألم العميق في وجداننا , خاصة عندما نقارنها بصورة ماضينا العظيم الذي ازدهرت فيه العلوم الفلكية و الطبية و الهندسية و الكيميائية و الرياضية و كذلك العلوم الإجتماعية و الحربية , إضافة الى الفلسفة و الثقافة .. عصر كنا فيه مصدر الإلهام و التقدم للعالم أجمع كانت فيه الكرامة قيمة مصانة !!
هذا الشعور بالألم و الحسرة , و ما يخالطه من شعور بالإحباط من صورة الحالة الراهنة , يزداد عمقاً اذا ما لاحظنا حقيقة أن بعض الدول و الشعوب التي كانت تلهث وراءنا , قد تقدمت حالياً علينا , و أن تلك التي كنا نعتقد إنه لا يمكن أن تتقدم يوماً علينا، قد سبقتنا في معظم الأنشطة الحياتية، وكأننا نرجع في مسيرتنا الى الوراء بسرعة مقصودة.
ويقول الدكتور ملحس: وما يزيد الألم، أن صورة المستقبل ليست واضحة ولا جلية , إذ إنها تختلف في أذهان المتشائمين والمتفائلين بتباعد أو تناقص يجعل من محاولة رسم صورة لها قريبة من الحقيقة والواقع، أمراً ليس سهلاً، ما يضيف شعوراً من الضياع على شعور الألم والإحباط.
ويضيف الدكتور ملحس: حالة العرب مشابهة تؤكد وجود مرض ما في مجتمعاتنا بعث أعراضا سلبية أصابت جميع نشاطات حياتنا ... مرض تفاقم حتى أوصلنا الى ما نحن عليه الآن من تأخر و تدني . و جود المرض أمر أكيد، أما أن كان خلقياً بدأ مع وجودنا أو مزمناً يصعب شفاؤه أو حديثاً قابل للمعالجة فأمر في منتهى الأهمية يحتاج الى دراسة من قبل المختصين المتعمقين في علم تاريخ العرب.
ففي السياسة .. ظهرت تنازلات عربية رسمية واضحة عن الإرادة و الكرامة السياسية , و كذلك إهمال خطير للمتطلبات الأمن القومي كما تأكدت الفرقة بين الدول القطرية و غاب مفهوم القوة المتمثل بالوحدة أو حتى الإتحاد , وترسخ مفهوم الأنظمة الأبوية السلطوية و حل التوريث مكان الإنتخاب وتعمقت ثقافة الهزيمة عند الفئة المؤثرة في القرارات السياسية و تراجع مفهوم الدولة و علاقتها بالمجتمع .
وفي الإقتصاد ... زادت الثروات البترولية عند بعض الدول العربية و زادت المديونية عند بعضها الآخر , كما أدى سوء توزيع الثروة في جميع البلاد العربية الى زيادة الفقراء فيها , في الوقت الذي ظهرت فيه طبقات فاحشة الثراء كما تفاقمت مشكلة البطالة والهجرة خاصة الشباب الذي بدأ إنتمائه لوطنه وإهتمامه بقضايه المصيرية يتخذ مركزاً متأخراً على قائمة أولوياته ...
أما حقوق الإنسان و الحريات فهناك تراجع واضح و ملموس خاصة حقوق المرأة و الطفل و كذلك حق التعبير عن الرأي خاصة الرأي المعارض الذي طُمس بضغوطات مختلفة كما ساد التفكير الأمني على حساب جميع أنواع الحريات والحقوق الأساسية للإنسان.
و يتساءل لماذا نحن الآن هكذا .. و لماذا تراجعنا ة تقدم غيرنا .. و هل تختلف ظروفنا عن ظروف غيرنا و هل السبب في تأخرنا يرجع الينا أو الى غيرنا و هل الأسباب الأساسية لتأخرنا سياسين أم تراثية أم إجتماعية أم تربوية أم سيكولوجية و هل أسباب تأخرنا مرتبطة بهويتنا و اذا عرفنا أسباب تأخرنا فكيف نعالجها و اذا كنا في حالة متدنية فما هي الحالة الراقية التي نصبو اليها و اذا قررنا ان نغير حالنا فمن أين نبدأ , و ما هي الوسائل و الظروف اللازمة لتغيير الحالة الراهنة ..؟!
Odeha_odeha@yahoo.com