أسد الاردن / قصة ملك (الحلقة الرابعة) ـ الملك حسين رد على آلون: أريد كل شبر كنت مسؤولا عنه
25-10-2007 03:00 AM
أشكول كان يسمي إيبان «المغفل الذكي» وأرسل معه آلون صاحب النزعة التوسعية والموقف العدائي من الأردنلندن: عن «الشرق الأوسط»
جاءت كلمات الملك حسين واضحة ومباشرة ردا على الخطة التي طرحها آلون إذ قال: «الخطة كانت مرفوضة تماما. وفي واقع الأمر، عرضت خلال فترة المفاوضات والمناقشات إعادة حوالي 90 في المائة من الأراضي، بل وحتى 98 في المائة منها، باستثناء القدس، لكنني لم أقبل. الأمر بالنسبة لي كان إما كل شبر كنت مسؤولا عنه، أو لا شيء. فقد كان ذلك ضد خلفية ما حدث عام 1948 عندما أنقذت الضفة الغربية بكاملها، بما في ذلك المدينة القديمة. جدي دفع حياته ثمنا لمحاولاته التوصل إلى سلام. إذا كان على مسؤوليتي، يجب علي إعادة كل شيء، ليس إلي أنا شخصيا، وإنما لوضع الأراضي تحت رعاية دولية حتى يقرر الشعب ما يجب ان يكون عليه مستقبله».
وتروي الحلقة الرابعة من كتاب أسد الأردن الذي سينزل الى الأسواق قريبا بالانجليزية لمؤلفه آفي شليم المؤرخ البارز والبروفيسور في جامعة اكسفورد العريقة وتنفرد «الشرق الأوسط» بنشر حلقات منه المزيد من تفاصيل اللقاء السرية الأردنية ـ الإسرائيلية والخطة التي اقترحها ييغال آلون نائب رئيس الوزراء ووزير العمل، في الحكومة الإسرائيلية وأحد الصقور وقتها الذين يؤمنون بالتوسع ورفض العاهل الأردني لهذه المقترحات.
وسلم الملك حسين ويليام سكرانتون، مبعوث الرئيس ريتشارد نيكسون الخاص إلى الشرق الأوسط، في ديسمبر (كانون الأول) ورقة ضمنها النتائج التي توصل إليها وهي ان اسرائيل ليست جادة في التفاوض ومصممة على ضم مساحات كبيرة من أراضي الضفة الغربية بغرض تحسين وضعها الأمني، كما أكد أيضا انه ليس على استعداد ولا يستطيع التخلي عن القدس الشرقية، وأن الدولة الوحيدة القادرة على ممارسة الضغط على اسرائيل هي الولايات المتحدة. شجعت الولايات المتحدة إسرائيل على تطوير هذه العلاقة الخاصة مع الاردن إلى التوصل إلى تسوية منفصلة مع الملك حسين. وكان إرضاء الرئيس ليندون جونسون، واحدا من الأسباب التي أشار إليها ليفي اشكول في اجتماع لحكومته بهدف تجاوز معارضة إجراء محادثات مع الملك حسين. وكان ليفي اشكول نفسه مصرا بعناد على عدم لقاء الملك حسين بنفسه، لكنه كان مرتاحا لتمثيل ابا ايبان الحكومة الإسرائيلية في تلك المحادثات. كما انه كان ينظر إلى ابا ايبان كمتحدث رسمي أكثر منه صانع سياسة، وكان يطلق عليه «المغفل الذكي» لأنه كان يحسن الحديث، لكنه لم يكن يتمتع بحس بديهي. وكان ابا ايبان في واقع الأمر ينتمي إلى التيار الذي فضل التوصل إلى تسوية مع الملك حسين. ولكن بما ان بضعة أعضاء فقط من زملائه في حكومة ليفي اشكول، كانوا على استعداد لقبول هذا الخيار، بدأ ابا ايبان يؤكد على أهمية القيمة التكتيكية للمحادثات مع الأردن، ولخص ذلك في أن القناة المفتوحة مع الملك حسين، يمكن ان تستغل في تفادي ضغوط واشنطن والأمم المتحدة لحمل إسرائيل على تطبيق القرار 242، مؤكدا على ان مواصلة الاتصال بالملك حسين أمر مهم لأنه «ما دامت القوى العظمى تعتقد ان لدى إسرائيل اتصالات مستقلة، فإن ذلك سيحد من ضغوط جارينغ والولايات المتحدة».
سعيا لإيجاد توازن مضاد لأبا ايبان المعتدل، اقترح هيرزوغ على ليفي اشكول ان يمثل ييغال آلون نائب رئيس الوزراء ووزير العمل، الحكومة الإسرائيلية إلى جانب وزير الخارجية، ابا ايبان. وكان آلون جنرالا سابقا في الجيش الإسرائيلي ومحسوبا على تيار الصقور وأصحاب النزعة التوسعية. وكان إرسال آلون إلى لقاء الملك خطأ فادحا إذا كان الغرض من المحادثات التوصل إلى تسوية، اما إذا كان غرض تلك المحادثات الوصول إلى طريق مسدود، فإن اختيار آلون كان موفقا بالتأكيد. ففي واقع الأمر كان عدائيا تجاه الملك حسين على المستويين الشخصي والسياسي، إذ قال خلال اجتماع للحكومة الإسرائيلية في 7 ابريل (نيسان): «على العموم لسنا مدينين للملك حسين بأي شيء. فهو قد خرق التزامه للولايات المتحدة عشية حرب الأيام الستة بتحريكه دبابات إلى الضفة الغربية. لن أبادر بإطاحة الملك حسين، لكنني لن أتردد في اتخاذ أية إجراءات أراها ضرورية للدفاع عن إسرائيل». ولدهشة زملائه في الحكومة، أردف آلون قائلا: «إذا ظهرت حكومة فلسطينية في الاردن، فلا استبعد احتمال ان تجرؤ على التفاوض معنا أكثر من حكومة الملك حسين». وفي وقت لاحق تقدم آلون للحكومة الإسرائيلية بمقترح خطة سميت باسمه تهدف إلى ضم شريط من الأرض يتراوح عرضه بين 10 و15 كيلومترا بمحاذاة نهر الأردن، فضلا عن أجزاء واسعة من المنطقة الصحراوية حول البحر الميت ومنطقة كبيرة حول القدس، بما في ذلك اللاترون. وكانت تهدف الخطة إلى ضم أقل عدد ممكن من العرب وإقامة مستوطنات وقواعد للجيش الإسرائيلي في هذه المناطق. نادت الخطة أيضا بفتح مفاوضات مع القادة المحليين بصدد جعل الأجزاء المتبقية من الضفة الغربية منطقة حكم ذاتي تكون مرتبطة اقتصاديا بإسرائيل. لكنه عندما فقد الأمل في التوصل إلى اتفاق مع قادة الضفة الغربية، اقترح آلون إعادة تسليم أجزاء من الضفة الغربية لا تحتاجها إسرائيل إلى الأردن. لم يغيّر آلون خارطة يوليو (تموز) 1967، لكنه بدلا عن اقتسام الضفة الغربية مع الفلسطينيين عرض اقتسامها مع الملك حسين. لم يتخذ قرارا بشأن خطة آلون، لكنه تلقى تفويضا بمناقشتها بصورة عامة مع الملك حسين في لقائهما المقبل. انعقد ذلك اللقاء في لندن في 27 سبتمبر (أيلول) 1968، وكان بصحبة الملك حسين مستشاره زيد الرفاعي، وحضر في معية ابا ايبان كل من آلون وهيرزوغ. استهل ايبان اللقاء واصفا إياه بأنه مناسبة تاريخية. وقال ان قد جرى تفويضهم لمناقشة احتمالات التوصل إلى سلام دائم مع الاردن، لكنه لمح إلى انه في حال رفض الملك حسين للمبادئ المطروحة عليه، فإنه سيتعين عليهم البحث عن سبل إلى التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين من دون الأردن. أما آلون فقد وصف اللقاء ذلك اللقاء مع الملك حسين كأسعد لحظة في حياته، وتحدث عن الأخطار التي يشكلها التعاون السوفييتي ـ العربي على النظام الأردني، مشيرا إلى ان التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل سيضمن سلامة النظام الأردني في مواجهة أي تدخل خارجي، وعدم استقرار داخلي. أوضح ابا ايبان أيضا ان الهدف هو التحول من حالة الحرب إلى السلام المتبادل مجسدا في اتفاق بين الطرفين، ثم طرح بعد ذلك سلسلة من الأسئلة: هل الملك حسين قادر على السيطرة على «فتح»؟ هل باستطاعة الملك حسين توقيع اتفاق سلام بدون موافقة عبد الناصر. وأشار كل من ايبان وآلون إلى ان الحكومة الإسرائيلية لم تتوصل بعد إلى قرار حول مستقبل الضفة الغربية، وأن الملك حسين إذا كان راغبا في الأفكار التي طرحوها، فإنهم سيسعون إلى الحصول على تخويل من الحكومة الإسرائيلية للتفاوض. أجاب الملك حسين قائلا: «مشاعري صادقة. آمل في ألا نفوت فرصة التوصل إلى سلام. وكي يكون هذا السلام سلاما دائما، يجب ان يكون في المقام الأول سلاما تحترمه وتلتزم به الأطراف المعنية، وإلا لن يكون سلاما دائما. نريد سلاما دائما. نعترف بأنك طرف قوي، وانه بوسعكم استخدام قواتكم لبعض الوقت. وإذا حدث ذلك، فسيكون هناك رابحون وخاسرون. ولكنن بصراحة، إذا أصبحت القوة هي الحل الوحيد للمشكلة، فإن سلام المنطقة، وبالتأكيد سلام العالم، سيتهدده الخطر. ربما تحققون الكثير من الانتصارات، لكنهم لن تستطيعوا خسارة معركة واحدة. إذا تحقق سلام عادل ودائم، فسنربح جميعا. أتمنى ان أساهم خلال ما تبقى من حياتي في تحقيق هذا الهدف. أخيرا، اشعر بالارتياح لسماع موقف الحكومة الإسرائيلية».
حدد ابا ايبان عند ذلك ستة مبادئ ترتكز عليها إسرائيل في التوصل إلى تسوية مع الأردن. وقال آلون من جانبه، انه لا يستطيع ان يؤيد أي اتفاق لا يتضمن تغييرات كبيرة في خارطة الأراضي والحدود الدفاعية لإسرائيل. إسرائيل لا تسعى، كما قال، إلى الحصول على أراض خصبة أو عدد إضافي من السكان، وإنما تسعى إلى تحقيق أمنها، وبدون الأمن لن تكون هناك أية تنازلات، على حد قوله. هنا رد الملك حسين قائلا ان هناك عدة آراء أيضا داخل العالم العربي. مشكلة الملك حسين كانت تكمن في كيفية توضيح الحل لشعبه، وكان يعتقد ان مجلس الأمن يمكن ان يشكل إطارا لحل شامل في المنطقة، علاوة على ان الأمن في نظره لم يكن مسألة أراض، وإنما قضية ثقة بين الدول. إلا ان آلون أعرب عن اختلافه، وقال ان الطبوغرافيا أكثر أهمية من حسن النوايا. واقترح أيضا في إطار ترقية وتطوير الأمن المشترك عقد لقاء بين رئيسي هيئة أركان البلدين. فيما يتعلق بقرار مجلس الأمن، قال ابا ايبان انه ليس هناك خلاف وان مبادئ إسرائيل تتماشى مع القرار. تدخل زيد الرفاعي وأشار إلى ان قرار مجلس الأمن أدان الاستيلاء على الأراضي بالقوة. وجاء رد ايبان على حديث الرفاعي بأن قرار مجلس الأمن تحدث ان الانسحاب من «أراض» وليس من «الأراضي». رد الرفاعي على وجه السرعة قائلا ان أفكار ابا ايبان لا تضيف شيئا إلى ما قيل في لقائهم السابق في مايو (أيار). جاء في السيرة الذاتية لأبا ايبان انه كان من الواضح ان الملك حسين قد رأي انه من الأفضل ان يترك إسرائيل تحت رحمة الانتقادات العالمية بسبب الاستيلاء على الضفة الغربية، بدلا عن تحمل مسؤولية التنازل عن 33 في المائة منها لإسرائيل. وقال أيضا ان الملك حسين اتخذ موقفا مبدئيا بموافقته على اتفاق سلام بين الجانبين يقوم على أساس تغييرات طفيفة على الحدود، كما انه كان معارضا بشدة لاحتفاظ إسرائيل بثلث الضفة الغربية. وفي مذكرة بخط اليد إلى ليفي اشكول، كتب ابا ايبان انه بات من الضروري على إسرائيل ان تركز على الهدف التكتيكي المتعلق بضمان استمرار المحادثات مع الاردن. كتب ايبان أيضا في نفس المذكرة انه سيتأكد من ان واشنطن تعرف ان لإسرائيل اتصالات حقيقية مع حكومة الملك حسين وانهم عرضوا عليه مخرجا مشرّفا من محنته وانه من الضروري ان تكون هناك ضغوط عليه لحمله على إبداء موقف أكثر واقعية وألا يفقد الفرصة. جاء المقترح الإسرائيلي بصورة عامة منتقصا في حق الجانب الأردني ونقيضا لمفهوم الملك حسين حول السلام العادل والمشرّف. مضت 16 شهرا على نهاية الحرب، وكان ذلك أول مقترح ملموس من الجانب الإسرائيلي بشأن التوصل إلى تسوية، وكان مقترحا إشكاليا وغير مرض. إلا ان الأسوأ من كل ذلك انه حتى في حال موافقة الملك حسين، لم يكن هناك ما يشير إلى ما إذا كان الحكومة الإسرائيلية ذات النزعة التوسعية ستوافق من جانبها. على الرغم ان الملك حسين رفض خطة آلون من دون أدنى تردد، اقترح الوزراء الإسرائيليون عقد لقاء آخر خلال فترة اسبوعين لإعطائه فرصة في النظر مجددا إلى موقفه. لم يكن الملك حسين في حاجة إلى اسبوعين، فقد اتصل زيد الرفاعي بهيرزوغ وأجريا ترتيبات بشأن عقد لقاء معه في اليوم التالي. سلم الرفاعي هيرزوغ وثيقة تتضمن ستة مبادئ من جانب الملك حسين ردا على مبادئ ايبان الستة، وتناولت الفقرة الخامسة مسألة الحدود الآمنة وتضمنت ردا واضحا وجليا من جانب الملك حسين على خطة آلون: «الخطة برمتها غير مقبولة لأنها تنتهك السيادة الأردنية. السبيل الوحيد هو تبادل الأرضي على أساس مشترك».
أوضحت الوثيقة مدى الهوة الشاسعة بين الموقفين الإسرائيلي والأردني، وهكذا، فقد كان اللقاء بمثابة ضربة لفكرة التوصل إلى تسوية إسرائيلية ـ أردنية منفصلة في غياب أي دول عربية أخرى.
على الرغم من ان الملك حسين رفض الشروط الإسرائيلية للتوصل إلى تسوية، فإن اللقاءات السرية تواصلت إلى ان تم التوصل إلى اتفاق سلام بين الاردن وإسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 1994، ولم يتحدث الملك حسين علنا بشأن اللقاءات السرية مع قادة إسرائيليين على مدى العقود الثلاث السابقة إلا بعد التوقيع على ذلك الاتفاق.
عندما ناقش خطة آلون، جاءت كلمات الملك حسين واضحة ومباشرة: «الخطة كانت مرفوضة تماما. وفي واقع الأمر، عرضت خلال فترة المفاوضات والمناقشات إعادة حوالي 90 في المائة من الأراضي، بل وحتى 98 في المائة منها، باستثناء القدس، لكنني لم اقبل. الأمر بالنسبة لي كان إما كل شبر كنت مسؤولا عنه، أو لا شيء. فقد كان ذلك ضد خلفية ما حدث عام 1948 عندما أنقذت الضفة الغربية بكاملها، بما في ذلك المدينة القديمة. جدي دفع حياته ثمنا لمحاولاته التوصل إلى سلام. إذا كان على مسؤوليتي، يجب علي إعادة كل شيء، ليس إلي أنا شخصيا، وإنما لوضع الأراضي تحت رعاية دولية حتى يقرر الشعب ما يجب ان يكون عليه مستقبله».
رأي الجانب الإسرائيلي ان من مصلحته مواصلة الاتصالات السرية على الرغم من رفض الملك حسين الواضح للتسوية بشأن الأراضي. من ضمن الأغراض التي خدمتها الاتصالات السرية التعامل مع المسألة الأمنية، وعلى وجه التحديد الضغط على الملك حسين للجم هجمات الفدائيين ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي الأردنية. أرسل رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي حاييم بار ـ ليف إلى لندن للقاء نظيره الأردني عامر خماش. وتلقى بار ـ ليف تعليمات صارمة من الحكومة الإسرائيلية بتناول الوضع الأمني فقط وعدم الدخول في أية مسائل سياسية. عقد اللقاء في 16 أكتوبر (تشرين الأول) في منزل هيربيرت بحضور الرفاعي وهيرزوغ، وناقش الجنرالان على مدى ساعتين الوضع على الحدود وسبل ووسائل الحد من هجمات الفدائيين والرد الإسرائيلي على أهداف أردنية. جرى لقاء آخر بعد يومين، وانضم الملك حسين بمبادرة شخصية إلى المشاركين الأربعة. طرح بارليف آراءه مجددا حول أمن الحدود، وقال الملك حسين ما طرحه رئيس هيئة أركانه مسبقا انهم يفعلون ما بوسعهم لمنع هجمات الفدائيين وانهم لا يستطيعون وقف هذه الهجمات تماما في غياب تسوية. فالتسوية، كما أوضح الجانب الأردني، ستمكّنهم من اتخاذ إجراءات إضافية ضد الفدائيين. بار ـ ليف قال من جانبه ان الضفة الغربية في وجهة نظره منطقة حيوية لأمن إسرائيل وأن الحدود الطبيعية، من وجهة النظر الأمنية، هي نهر الأردن. وحتى إذا جرى التوصل إلى تسوية مع الأردن، فسيكون هناك خطر من العراق وسورية ومصر. وكان ذلك سببا إضافيا لتأسيس (أمن إسرائيل على الضفة الغربية ونهر الاردن). وناقش هيرزوغ مع الملك حسين آخر التطورات فيما يتعلق بمهمة جارينغز، وشكا من انه على الرغم من وعد الملك حسين بمنحهم مزيدا من الوقت، فإنهم ظلوا يتعرضون لضغوط من جانب جارينغ بشأن قبول قرار الأمم المتحدة رقم 242. وأكد الملك حسين على ان القرار هو الإطار الوحيد لتحقيق تقدم في الوضع، إلا ان هيرزوغ إلى أشار من جانبه إلى ان القرار قابل لمختلف التفسيرات. أكد الجانب الإسرائيلي أيضا على استعداد إسرائيل للتوصل إلى اتفاق سلام، وان خطة آلون هي الحد الأدنى الذي يتطلعون إليه. ورد الجانب الأردني غاضبا بأنه كان يعتقد ان خطة آلون حد أقصى. تواصل الأخذ والرد ورد هيرزوغ قائلا ان الحكومة الإسرائيلية لم تصادق على خطة آلون، وأن ابا ايبان وآلون ينظرون إلى الخطة بوصفها حدا أدنى ويأملان في المزيد. أشار بار ـ ليف إلى ان وجود الجيش الإسرائيلي على طول وادي الاردن بكامله أمر مهم بالنسبة لأمن إسرائيل، ورد الملك حسين قائلا انه يتفهم وجهة النظر الإسرائيلية، ولكن يتعين عليه ان يقنع العالم العربي بأي اتفاق يجري التوصل إليه وانه يستطيع ان يفعل ذلك فقط، إذا كان الاتفاق عادلا. رغم كل ذلك لم يوصد الباب، وأضاف الملك حسين قائلا ان بعض القوى الكبرى تؤيد موقفه وانه ينسق خطواته مع عبد الناصر. كان من الضروري على إسرائيل ان تعلن موقفها بوضوح إزاء تطبيق قرار مجلس الأمن. إلا ان الملك حسين كان في مأزق حاد. فقد كان في حاجة ماسة إلى تصريح إسرائيلي مقنع كي يستطيع ان يقنع شعبه وبقية العالم العربي بفكرة التفاوض. اما إذا لم يحقق تقدما في المفاوضات عبر جارينغ، فإن إفلاس سياسته السابقة سينكشف وستتزايد عليه الضغوط كي يتبنى نهجا أكثر تشددا. كما انه كان في حاجة ماسة أيضا إلى المفاوضات لكي يبرر الإجراءات ضد مجموعات الفدائيين التي كانت تعمل انطلاقا من الاردن. فكل شيء الآن بات يعتمد على إسرائيل. استمر الجانب الإسرائيلي في المماطلة لأسباب من بينها الاختلافات داخل الحكومة، وانعقد لقاء آخر على مستوى عال في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) على متن سفينة إسرائيلية في خليج العقبة بالقرب من ايلات. مثل الجانب الأردني الملك حسين وزيد الرفاعي والشريف ناصر بن جميل، فيما مثل الجانب الإسرائيلي ابا ايبان وآلون وهيرزوغ. كان ذلك أول لقاء بين الجانبين الإسرائيلي والأردني يعقد في المنطقة، واستفاد الإسرائيليون من وضعهم كمضيفين وسجلوا المناقشات سرا. تحدث آلون وايبان مطولا، ولكن لم يكن في جعبتهما من جديد، وتحدث الجانب الإسرائيلي مطولا حول خطة آلون، التي وصفها الجانب الأردني مسبقا بأنها «غير مقبولة مطلقا»، فضلا عن ان الحكومة الإسرائيلية لم تصادق عليها. شعر الملك حسين بأن الجانب الإسرائيلي كان يداور، فيما كان هدفه هو التوصل إلى سلام دائم وعادل. وكل ما قاله في ذلك اللقاء تمحور حول قبول قرار مجلس الأمن. أما الفكرة الجديدة الوحيدة التي طرحها خلال النقاش، فقد تلخصت في التخلي عن أراض في الضفة الغربية مقابل سيطرة الاردن على قطاع غزة ومنفذ للبحر، وقال إن ميزة هذا المقترح انه سيضع كل الفلسطينيين تحت مظلة واحدة، إلا ان ممثلي إسرائيل لم يكونوا مفوضين لمناقشة مقترحه. واعترفوا بأن وجود حدود مشتركة بين الاردن وإسرائيل ليس من مصلحتهم في شيء. كما انهم كانوا يدركون ان حكومتهم كانت تعتزم ضم قطاع غزة وان لديها خطة سرية لـ«تشجيع» هجرة اللاجئين الفلسطينيين من هذه المناطق المزدحمة. وبات واضحا ان فكرة الملك حسين لا تلائم هذه الخطط التوسعية. أوضح الملك حسين مجددا، انه لا يمكن التوصل إلى أي اتفاق إذا تضمن ضم إسرائيل لأراض أردنية. وطبقا للشروط المطروحة كان من المستحيل عليه التوصل إلى اتفاق سلام. فالأساس الوحيد للسلام هو تعديل خطوط الهدنة على أساس مشترك. فالأردن قبل بقرار مجلس الأمن 242 وبحق إسرائيل في العيش في سلام وأمن ضمن حدود معترف بها. ولكن في المقابل يتعيّن على إسرائيل قبول مبدأ الانسحاب بدون شروط. لم يثمر ذلك اللقاء عن أي شيء سوى الاتفاق على عقد لقاء آخر في أوروبا خلال الشهر التالي. من الصعب معرفة ما إذا كان الملك حسين أكثر إحباطا، إسرائيل أم الولايات المتحدة. من المؤكد انه كان يشعر بأنه يجب على الولايات المتحدة من أجل نفسها ومن أجل أصدقائها العرب ومن اجل تيار الاعتدال في إسرائيل ان تستخدم نفوذها بهدف التوصل إلى تسوية سلمية. لكنه أكد على ان فشل الولايات المتحدة في لعب دور لتحقيق السلام في الشرق الأوسط يشجع فقط المتطرفين في إسرائيل. لم يفوت الملك حسين أي فرصة في التأكيد على هذه النقاط في لقاءاته مع أي مسؤول أميركي زار الاردن.
فقد سلم الملك حسين ويليام سكرانتون، مبعوث الرئيس ريتشارد نيكسون الخاص إلى الشرق الأوسط، في ديسمبر (كانون الأول) ورقة ضمنّها النتائج التي توصل إليها: اتصالات الأردن مع إسرائيل، المباشرة منها وغير المباشرة، فشلت في تحقيق تقدم باتجاه التوصل إلى تسوية سلمية. وأن إسرائيل، لأي سبب من الأسباب، لم تكن جادة بالفعل في التفاوض من أجل التوصل إلى تسوية مع الاردن، وأن إسرائيل مصممة على ضم مساحات كبيرة من أراضي الضفة الغربية بغرض تحسين وضعها الأمني، كما أكد أيضا انه ليس على استعداد ولا يستطيع التخلي عن القدس الشرقية، وان الشروط التي وضعتها إسرائيل لا يستطيع هو أو أي زعيم عربي آخر قبولها، وانه لا يستطيع فعل أي شيء أكثر مما فعل من أجل التوصل إلى تسوية. وأكد أيضا في الورقة التي سلمها لسكرانتون ان الضغط الخارجي وحده ربما يحمل إسرائيل على الموافقة على شروط معقولة يمكن ان يقبلها العرب، وأن الدولة الوحيدة القادرة على ممارسة هذا القدر من الضغط هي الولايات المتحدة.
* غدا: حماقات الفدائيين وغضب الجيش الأردني وكيف اضطر الملك حسين لاعتراض رتل دبابات