قبل أن تهب العاصفة .. ماجد توبة
21-05-2012 05:47 AM
تضحية الحكومة بشعبيتها لن تحل الأزمة الاقتصادية!
العد التنازلي لوجبة رفع الأسعار المرتقبة قد بدأ. ولا يتوقع لأيام "الثقة النيابية"، المضمونة عمليا، أن تطول، لنقف أمام استحقاق الحكومة، مع نهاية الأسبوع الحالي أو بداية المقبل، لاتخاذ قرار الرفع، والذي باتت ملامحه الرئيسة واضحة للعيان، بعد التسريبات الحكومية المتتالية لمضامينه وأدواته.
الغريب والمقلق أكثر، أن تسريبات الحكومة تفاجئنا بوضع البنزين العادي (أوكتان 90) على أجندة الرفع المرتقب، بما نسبته 8 %، بعد أن روجت على مدى الأسبوعين الماضيين، بأن الرفع لن يطاول البنزين العادي، وسيقتصر على الخاص (أوكتان 95) بنسبة 20 %، إضافة إلى حزمة السلع والخدمات الأخرى، وعلى رأسها الكهرباء، التي سيطاولها الرفع.
ويبدو أن كل التحذيرات و"الأضواء الحمراء"، الاجتماعية والأمنية والسياسية، التي رفعت في وجه الحكومة، لم تثنها عما اعتزمته على هذا الصعيد، استنادا إلى حراجة الوضع العام للموازنة العامة للدولة وتفاقم العجز، وانفتاحه على أخطار أكبر. هذا هو منطق الحكومة في معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية، فيما بتنا ننتظر فقط ساعة الصفر لإصدار هذه القرارات التي ستفتح صندوق "باندورا" للشرور، بإطلاقها سلسلة ارتفاعات يصعب حصرها أو لجمها لأسعار سلع وخدمات تعتمد في إنتاجها على الكهرباء أو البنزين!
حسنا فعلت الحكومة بحزمة الإجراءات التقشفية الداخلية التي أعلنتها في اجتماعها أول من أمس، والتي قالت إنها ستوفر في مجموعها نحو 300 مليون دينار، قاصدة إرسال رسالة للرأي العام بأنها، أي الحكومة، تبدأ بنفسها في شد الأحزمة!
لكن السؤال اليوم هو: هل القصة قصة تقشف حكومي، عبر خطوات معلنة، سبق وأن سمعنا مثلها من حكومات سابقة، لكن أحدا لم يحاسبها على مدى الالتزام بها لاحقا؟ فالانطباع العام أن أثر تلك الإجراءات التقشفية سرعان ما تذروه رياح "التخبط" وعودة الحكومات إلى سابق عهدها في "الرش" وبذخ الإنفاق، خاصة في مجالات شراء الولاءات وفنون الاحتواء السياسي، والتغاضي عما تأكله نيران الفساد والتجاوزات على المال العام.
أمر "ممتع" قراءة تفاصيل حزمة التقشف الحكومية الجديدة، التي يتصدرها تبرع الوزراء بعشرين بالمائة من رواتبهم للخزينة، وإن تمنينا أن يطاول هذا التبرع الرواتب التقاعدية لمئات الوزراء السابقين!
ويستوقفك في ذات خبر الحزمة اكتفاء الحكومة بوعد عابر، ومن خلال جملة واحدة، بأنه "سيتم اتخاذ إجراءات إضافية في المدى القريب، وفق ما تقتضيه طبيعة الحال، من خلال إرسال مشروع قانون معدل لقانون ضريبة الدخل، باعتماد مبدأ تصاعدية الضريبة، لاسيما على الصناعات الاستخراجية والبنوك، والعمل على تطبيق برنامج هيكلة الوحدات الحكومية المستقلة".
وفيما تفرد الحكومة أوراق وجداول عشرات السلع والخدمات، الأساسية و"الكمالية"، على طاولة الرفع، والإصلاح "الجراحي" لتشوهات الموازنة الذي تتطوع الحكومة الانتقالية بحمل وزره، مضحية بأي شعبية يمكن أن تظفر بها في مقبل الأيام، في هذا الوقت ترمي الحكومة وراء ظهرها كل الاقتراحات والتوصيات والمطالبات، الشعبية والسياسية والاقتصادية الخبيرة، بضرورة الإصلاح الهيكلي للاقتصاد، ضمن منظور اجتماعي متوازن.
ضمن هذا السلوك والفهم الحكوميين للإصلاح الاقتصادي، فإن الإصلاح الضريبي المطلوب، وزيادة الضريبة على الصناعات الاستخراجية، كالبوتاس والفوسفات (وما أدراك ما البوتاس والفوسفات في الذاكرة الجمعية للأردنيين!)، ورفع ضريبة الدخل والأرباح على البنوك، لا تجد في حزمة الحكومة سوى سطر واحد، يقدم وعدا بذلك في "المدى القريب!"، وحسبما "تقتضيه طبيعة الحال!".
لم تتوقف الحكومة، وهي "تضحي بكربلائية" في الترويج لرفع الأسعار "الاضطراري"، لا في بيان حزمة التقشف، ولا في بيان الثقة الوزاري أمس، أمام حجم التشوه الذي لحق بالموازنة العامة للدولة وخزينتها وقطاعها العام، في العامين الأخيرين، جراء سياسات احتواء الحراكات الإصلاحية والمعارضات الشعبية، إذ أغدقت في الاحتواء بآلاف الوظائف لقطاع عام مثقل أصلا، وبالأموال والامتيازات، تهربا من دفع استحقاقات الإصلاح السياسي الحقيقي، وبحثا عن استقرار "زائف"، ثبت اليوم أنه معرض للنسف من أساسه، بعد أن وصل الوضع المالي للدولة إلى النقطة الحرجة التي تحتاج إلى جراحة عاجلة!
أما مئات الملايين التي قرأ عنها الناس في "زوبعة" الفساد البائدة، فلم تجد لها نصيبا في بيانات الثقة ولا التقشف، ولن تجد لها مكانا أيضا -على الأغلب- في البيان التوضيحي المرتقب، الذي سيزف للأردنيين خلال أيام قرارات رفع الأسعار.. "الاضطرارية"!
يصدق على حالنا قول: "غطيني يا صفية ما فيش فايدة"!
majed.toba@alghad.jo
الغد