لا يمكن متابعة حملة الانتخابات المصرية للرئاسة من دون أن تستوقفك ظاهرة تأييد, وحتى انخراط, مثقفين ونشطاء ليبراليين ويساريين في حملة الإسلامي المستقل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح, الذي جذب عددا مهما من قيادات ميدان التحرير رجالاً ونساء.
انقسام اليسار على نفسه بطرحه خمسة مرشحين لا شك ساهم في انتقال مثقفين وناشطين إلى حملة أبو الفتوح الذي يراه مؤيدوه العلمانيون حلقة وصل بين "الروح الثورية" لميدان التحرير وفئات من الطبقة الوسطى والشعبية المحافظة دينياً,التي عادة ما يستقطبها تنظيم الإخوان المسلمين أو قد يجذبها مرشحو النظام السابق.
هؤلاء يعتقدون أن حالة الاستقطاب التي برزت بعد الثورة بين التيار العلماني والتيار الإسلامي تهدد بشرخ المجتمع المصري وتساعد قوى النظام السابق من استعادة تنظيم صفوفها للانقضاض على منجزات الثورة.
وفقاً لهذا التحليل, التي يتبناه يساريون ظهروا في ميدان التحرير مثل خالد عبد الحميد والدكتورة رباب المهدي, فإن حملة أبو الفتوح الانتخابية, وإن حتى لم يفز بها, ستساهم في حشد التأييد حول رؤية الحريات والعدالة الاجتماعية وتضمن عدم طغيان الاستقطاب الأيديولوجي بين العلمانيين والتيارات الدينية على الحياة السياسية في مصر.
الابتعاد عن مثل هذا الاستقطاب يتيح التركيز على الأهداف السياسية, ونقاش الحلول الاجتماعية والاقتصادية المطروحة,بدلاً من التخندق في معسكرين علماني وديني يقود الشعب المصري إلى صراع من الممكن تجنبه.
الرهان على أبو الفتوح هو نفسه اعتراف بفشل التيارات اليسارية والعلمانية واللبرالية, التي شاركت بالثورة, بقدرتها على تحشيد واجتذاب فئات واسعة من المصريين لأسباب قديمة جديدة أهمها اعترافها بأن أنصار النظام السابق - بحكم سيطرتهم على الدولة لعقود - والتيار الإسلامي وتحديداً تنظيم الإخوان المسلمين هي القوى المنظمة الوحيدة على الساحة, وبالتالي لا توجد فرصة لتيارات يسارية أو لبرالية في التأثير في المرحلة الحالية.
أي أن حملة أبو الفتوح تضمن في رأي هؤلاء الحفاظ على هذه التيارات من التهميش والإقصاء في حالة حدوث توافق أو تناحر بين الإخوان والمجلس العسكري الأعلى أو في حالة خروج هذه التيارات من المعركة الانتخابية بعد الجولة الأولى كما هو متوقع.
يجب القول هنا أنه وفي أحسن الاحتمالات فأن مؤيدي أبو الفتوح يأملون في أن تكون حملة أبو الفتوح هي حاملة التيارات اليسارية واللبرالية الأخرى إذا تمكن من الوصول إلى المرحلة الثانية من انتخابات الرئاسة وهو احتمال غير مضمون.
لكن هنا يجب القول, بانه رغم التأييد لأبو الفتوح يبدو واسعا بين العلمانيين الأقرب الى الثورة, فإن هذا التأييد قد تراجع لصالح بعض المرشحين اليساريين, وحتى مرشحي النظام السابق, بعد إعلان حزب النور السلفي والشيخ يوسف القرضاوي بالتتابع دعمهما له مما أخاف الكثير من معجبيه الأقباط المسيحيين واللبراليين واليساريين, الذين يخشون أن ينحاز للإخوان إذا وصل الى الحكم أو حتى المرحلة الثانية للانتخابات.
المهم أن دخول أبو الفتوح المعركة الانتخابية قد نجح في خلط الأوراق, وأدخل جزءا من اليسار واللبراليين العلمانيين, الأقرب إلى الثورة في مغامرة يقولون انها محسوبة جيداً, ولكنها قد لا تكون لأنهم يرون الرئاسة المقبلة كمرحلة انتقالية, لن يستطيعوا مواجهتها وحدهم - إذا دخلوا في معركة خاسرة أساسها الأيديولوجي الحرب بين العلمانية والتيار الديني أو في معركة لوحدهم مع قوى النظام القديم.
أبو الفتوح الذي كان في شبابه متطرفا, مؤمناً بالجهاد المسلح لتغيير النظام, قبل انتقاله إلى صفوف الإخوان المسلمين, قد أصبح, في نظر الكثيرين نقطة عبور لتجسير الهوة بين العلمانيين ومؤيدي التيار الديني, فهل سينجح في هذا الدور أو انه كما يحذر بعض العلمانيين واليساريين سيكون "حصان طروادة" للإسلاميين,خاصة بعد تأييد السلفيين له, وبالنسبة لبعض اليساريين, لتمرير "تفاهم امريكي إسلامي في المنطقة"؟
أبو الفتوح نفسه, وفقا للذين يعرفونه جيدا, شخصية تحظى بالاحترام, وقد أحاط نفسه بمستشارين, بعضهم من اليساريين المعروفين, الذين يدفعون باتجاه سياسة واضحة تجاه المسائل الاجتماعية والقضية الفلسطينية لكن حتى بعض مناصريه اليساريين يعتقدون بأنه كسياسي براغماتي قد يتجه يميناً.
بناء عليه فإن أهم ما أكدته ظاهرة أبو الفتوح, التي ما زالت في أولى صفحاتها, هو ضعف وعدم جاهزية اليسار العلماني, في النزول كقوة منفصلة وموحدة, وثانياً والأهم أن هناك ثورة لم تكتمل, وما زالت أيضاً في المهد, وأن جميع القوى التي ساهمت بالثورة تستعمل الانتخابات, وبعض منها حملة أبو الفتوح, كغطاء للحفاظ على نفسها وعلى وجودها في مرحلة تعتبرها خطيرة عليها لأن النظام القديم وسطوته لم ينته بعد ولهذا الحديث صلة في المقال المقبل.
"العرب اليوم"