الدولة التي لا تدافع عن مصلحة مواطنيها تفقد ثقتهم واحترامهم
اصبحت قضية رفع الاسعار التي تسميها الحكومة" تخفيف الدعم على بعض السلع" الشغل الشاغل للاردنيين الذين خصصوا لها مسيرات الجمعة خلال الثلاثة اسابيع الماضية, والكل بانتظار اعلان تلك الحزمة, فمنهم من يعتقد انها ستؤجل الى ما بعد نيل الحكومة ثقة مجلس النواب ومنهم من يعتقد ان الحكومة "بقت البحصة" وان الامور اصبحت واضحة, ولا مجال الا ان يتضمنها خطاب الحكومة اليوم لنيل الثقة.
الحكومة والرأي العام الاردني مقتنعان ان لا بد من اتخاذ اجراءات تقشفية, لكن كل طرف يحاول ان تكون الاجراءات لا تمسه بل تجرى في ساحة الطرف الاخر, وفي نفس الوقت فان الحكومة والقوى السياسية والاجتماعية تعرف ان كل هذه الاجراءات لن تخفف عجز الموازنة المتصاعد بمتوالية هندسية او تسد حاجة المواطن البسيط.
الوضع الاقتصادي في غاية الخطورة, والامر بحاجة الى خطة انقاذ وطنية حقيقية تبدأ باستعادة ثقة الشارع بالحكومة ومؤسسات الدولة من خلال اغلاق ملف الفساد بطريقة طبية تغلق الجرح وتنظف حوله حتى لا "يلتهب مرة اخرى", وبعده تأتي الاجراءات التي يجب ان يتفهمها الشارع اذا اقتنع بتوجهات الحكومة.
العالم من حولنا يعج بامثلة الازمات الاقتصادية وحتى الاقتصاديات القوية مثل اسبانيا وفرنسا, الشعوب اكتشفت ان الليبرالية الاقتصادية كذبة كبيرة وتجميل للرأسمالية البشعة, انها عملية تبديل الادوار, والمستهلك حول العالم اصبح بحاجة الى اجراءات لحماية مصالحه بعد ان اصبح سلعة و ريشة تحركها الشركات الكبرى لا يقوى الا على الطاعة, بعدما حل الاستهلاك محل المواطنة لانه يحدد شخصية الفرد.
وفي الاردن الخط بات واضحا, الدولة التي اخرجت نفسها من السوق وسلمت مواطنيها للتجار ومصالحهم الخاصة, لم يعد المواطن يحترمها لانه فقد ثقته بها, فسيطرة الدولة على الاقتصاد هو اساس استقرارها, بمعنى ان دورها ينحصر في حماية المواطن (المستهلك) فاذا لم تمارس هذا الدور ما ضرورة وجودها, وكيف يمكن للمواطن المتضرر من تلك السياسة ان يحترم من تعادي مصالحه.
نعرف ان الشراكة مطلوبة بين القطاعين العام والخاص, لا ان تسلم الدولة مواطنيها للتجار وتطلب منهم "الرحمة والرأفة بالمستهلكين" بل يجب وضع اسس وضوابط تحمي الطرفين التاجر والمواطن, لا ان يصبح المواطن بدون قيمة ومضطر للرضوخ لكل متطلبات التجار التي تصر الحكومة على تسميتها"منطق السوق الحر".
المواطن الاردني يريد حكومة ونظام سياسي متقشف ويتصرف على شاكلة مواطنيه, بدون اسراف او بذخ او سكوت على الفساد, وبعدها يقبل المواطن بحزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية متكاملة ومتناغمة, تقوم على تعديل قانون الضريبة واعادة المبدأ الدستوري"الضريبة التصاعدية" وايقاف كل القرارات الفاسدة والاجراءات والمشاريع التي فصلت من اجل فلان او علان.
الغرق ليس قدرا, دائما ثمة امل يستحق المجازفة والمحاولة, الا نقول في امثالنا الشعبية " الغريق يتعلق بقشة" نحن لم نصل الى تلك المرحلة لكن نحن بحاجة الى خطة انقاذ وطنية لا تفصل الاقتصاد عن السياسة ولا تفصل الدولة عن مواطنيها بل تكون في مقدمة المدافعين عنهم, دولة تجمع بين الاقتصاد والسياسة وبين التاجر والمستهلك لكن بالحلال, وعلى اساس مصلحة المواطن التي تعني الاستقرار, لان مصلحة الدولة تبدأ باحترام حقوق مواطنيها وتوفير العيش الكريم لهم.
العرب اليوم