يشير النائب بسام حدادين إلى أنّ 80 نائباً يؤيدون العودة إلى قانون الصوت الواحد، ما يعني -وفق نظرية رئيس الوزراء فايز الطراونة، الالتزام بالطريق الدستورية؛ أي تسليم الأمر للسلطة التشريعية- إنّنا اليوم أقرب إلى هذا السيناريو السيئ!
فضلاً عن الظروف الدولية والإقليمية التي أفضت إلى فرضيات جديدة لدى "مطابخ القرار" هنا، التي تخفف من السير نحو ديمقراطية حقيقية، فإنّ عاملاً رئيساً دفع نحو الصوت الواحد، يكمن في وجود قراءات داخلية تؤكّد إمكانية حصول "الإخوان" على 55 من مقاعد مجلس النواب القادم، وربما ما يزيد عليها، في حال تمّ اعتماد نظام الـ"89 + القائمة الوطنية". وحتى تلك الصيغة التي قدّمها د. معروف البخيت (3 أصوات على مستوى المحافظة + 20 مقعداً وطنياً)، لم تكن مطابخ القرار الأخرى لتقبل بتمريرها.
في الظرف الراهن، تبدو مراكز القرار غير مستعدة لسيناريو "أغلبية المعارضة البرلمانية"، بذريعة أنّه سيؤدي إلى "شلّ الدولة والحياة السياسية"، والدخول في "مغامرة" وضع جزء كبير من القوة في يد حزب إسلامي يختلف مع مطابخ القرار في كثير من الملفات الحيوية التي تمسّ "مصالح الدولة"، أو قضايا لا تحتمل التلاعب فيها! فثمة "فيتو" رسمي داخلي على ذلك. وربما ما هو مقبول ضمن "القراءة الرسمية"، عدد من المقاعد لا يتجاوز ربع البرلمان في أحسن الأحوال، لضمان "حماية قواعد اللعبة السياسية".
الفرضيات التي نسمعها من سياسيين مقربين من مطبخ القرار ترجّح (بقوة وإصرار) أنّ "الإخوان" سيشاركون في الانتخابات القادمة، حتى لو على قاعدة قانون انتخاب مغاير لمطالب الجماعة أو تصوراتها، سواء كانت المسودة التي قدّمتها حكومة عون الخصاونة أو الصوت الواحد، وأنّ خيار الجماعة ومصالحها ليس مع المقاطعة، بل مع المشاركة.
بالضرورة، هنالك مؤشرات بنت عليها "الدولة" ترجيح مشاركة الإخوان، من دون الاضطرار إلى تقديم تنازلات كبيرة لهم. وربما يعزّز ذلك تقرير سابق تمّ إعداده لدى أقسام التخطيط في الجماعة، بعنوان "تقدير موقف"، يتحدث عن 4 سيناريوهات سياسية، في مقابلها 4 خيارات للجماعة للتعامل معها، ويوصي التقرير بضرورة اعتماد خيار المشاركة، حتى مع عدم وجود "ضمانات" كافية لتحقيق أهداف الإصلاح المطلوب.
إلاّ أنّ هذا التقييم الداخلي ليس موضع إجماع داخل الجماعة، وتحفظ عليه التيار الذي بات يمسك اليوم بزمام الأمور في قيادة الحركة، فضلاً عن أنّه تحليل يقترب أكثر من اللحظة التي كانت تقود فيها حكومة الخصاونة المنفتحة على الجماعة دفة الأمور، وهي لحظة تلاشت فرضياتها ومساراتها مع حكومة الطراونة الجديدة.
وفي حال أصرّ "الإخوان" على المقاطعة، فإنّ الدولة تأخذ مساراً موازياً تحضّر فيه لتيار سياسي يضم توجهات مختلفة، موالٍ، وفيه أيضاً جزء من التيار السلفي، بوصفه تياراً إسلامياً بديلاً من مشاركة الإخوان!
مشكلة هذا الاتجاه أنّه فشل سابقاً، وسيفشل لاحقاً، لأنّ السلفيين الذين التحقوا بهذه الحملة لا يتمتعون بقاعدة شعبية واسعة، وعلاقاتهم تكاد تكون مكشوفة للجمهور الإسلامي عموماً، فيما تقف أطراف واسعة من الاتجاهات السلفية ضد هذا التوجه الذي خسر في مصر بصورة قاسية، وأصبح يطلق على شيوخه "سلفيو أمن الدولة"!
في المحصلة؛ ما نراه اليوم من مسار هو تكرار واجترار للرهانات التقليدية ذاتها في السياسة الداخلية، وينتمي إلى حقبة الحرس القديم والمراوحة في مربع عدم وجود إرادة حاسمة للسير نحو ديمقراطية حقيقية!
الغد