أصبحت نكبة احتلال فلسطين مادة دسمة لانتاج الروايات والحكايات والقصص والدراما, وأحياناً أصبحت قوتاً تتغذى عليه كثير من الاحزاب والقوى السياسية, ومادة للتصنيف الوطني والتصنيف الطبقي, وفي أحيان أخرى كثيرة أصبحت أداة للارتزاق وكسب لقمة العيش.
كنت أعتقد لفترة طويلة, أنّ هذا السلوك أمر ايجابي, وذلك من باب احياء القضية في نفوس أبنائها, وفي نفوس العرب والمسلمين جميعاً, كما أنّ ذلك يؤدي إلى التبشير بعدالة القضية وكسب ودّ الرأي العام, وتكثير سواد المؤيدين, والمؤازرين لقضيتنا العادلة, ولكن مع مرور الزمن أصبحت هذه المسائل من التراث, والعادات الراتبة, وشيئاً من الروتين السياسي, والفلكلور الشعبي.
أربعة وستون عاماً, شهدت مئات الالاف من الاحتفالات, والمهرجانات, والخطابات, وعددا لا يحصى من الكتابات والادبيات والروايات, والقصص والبكائيات, وفي كلّ عام تتضاءل الروح وتخفت العاطفة ويقلّ الحماس, ليس هذا فقط, بل ولد عدد كبير من الاحزاب والمنظمات والقوى والتجمعات, التي اتخذت من هذه المادة آلة لصنع النجوم ومادة لاستقطاب الاضواء والمتفرجين وصناعة الكوادر والاتباع, وإنشاء المؤسسات, وابتداع اللافتات القادرة على جذب التبرعات الكفيلة بتغطية نفقات السفر وتذاكر الطائرات وتكاليف الترحال والنزول في الفنادق أثناء جوب البلدان وزيارة عواصم العالم.
لقد ملّت الشعوب العربية والاسلامية المؤتمرات والندوات, والحوارات والنقاشات والمنصّات والخطابات والمهرجانات التي تحاول في كلّ عام اكتشاف العجلة وورق البردى وآلات الطباعة من جديد, في الوقت الذي يتضاءل فيه الامل في التقدم خطوة إلى الامام عبر طريق واضح مرسوم الخطوات ويراكم الانجاز, بسبب بسيط جداً يجب أن ندركه جميعاً, أنّ كلّ هذا النشاط وكل هذا الركام أصبح استثماراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يخدم أهدافاً أخرى على ساحات أخرى وخطوطاً بعيدة عن المواجهة الحقيقية مع العدوّ.
أربعة وستون عاماً حقق فيها الصهاينة إقامة كيان مسلح مدعوم بشبكة علاقات عالمية وعربية. واستطاع حماية نفسه طوال هذه السنوات من خلال قدرته على الاستثمار في خطط محلية وعالمية قادرة على توظيف الخصوم ليكونوا منفذين لمخططهم ويتفانوا من أجل تحصيل رضاه, إلى أن أصبحوا قوةً نووية رغم أنف العالم.
ما نحن بحاجة إليه عمل دؤوب وتخطيط صامت, وتضحية وإخلاص لا يطرقه الاعلام ولا تصل إليه الاضواء, من أجل تحقيق إنجازات ملموسة ومتراكمة عبر السنوات تمكن شعبنا من الانخراط في عملية تحرير فعلية وحقيقية تتغذى على الدماء والاشلاء وليس على الورق والبكاء والاضواء.
العرب اليوم