د. اسامة تليلان
كما أشرنا في مقال سابق قبل ما يقرب من أربع سنين تحت عنوان تغير اتجاهات الصراع في الشرق الأوسط الى ان المتابع لاتجاهات الصراع في المنطقة يلحظ أن تغيراً جذريا قد طرأ عليها منذ ما يزيد عن العقد باتجاه تبلوره على أسس تكفل اعادة رسم خريطة المنطقة وتفاعلاتها وموازين القوى فيها من جديد ، وذلك من خلال تمحور الصراع داخليا في باطن كل دولة وفق عوامل اما دينية أو طائفية أو على أساس من زيادة حدة انكشاف الأنظمة الحاكمة أمام شعوبها ودفع هذه الشعوب لمقابلة أنظمتها في اطار متلازمة الفساد والاستبداد.
والمتابع منذ مؤتمر بيروت عام 2001 واطلاق المبادرة العربية للسلام ومن ثم توقيع العراق عليها بشكل افقد اسرائيل جزءا كبيرا من ذرائعها امام المجتمع الدولي في الاستمرار في المماطلة في الالتزام بمسار السلام الشامل في المنطقة وفق المرجعيات الدولية، يلحظ ان هناك مسارا برز في المنطقة يمكن ان يطلق عليه التصعيد الاسلامي نحو السلطة وزيادة تنامي الأفق الديني، بحيث برز هذا المسار بدءاً من تدمير العراق واسقاط النظام الحاكم فيه لصالح خلق واقع طائفي حاد في العراق يعززه تمدد شيعي ايراني في باطن المنطقة كفيل بان يسخن لانقسام طائفي واسع بين السنة والشيعة وهذا ماحدث، ومن ثم جاءت احداث 11 سبتمبر التي ما زالت تدور حول القدرة على تنفيذها اسئلة مفصلية ورده الفعل الامريكية بقيادة بوش في حربها على الارهاب الاسلامي التي اعادت التمركز الديني في المنطقة ودفعت بالاسلام السياسي الى الواجهة، ومن ثم الانسحاب الاحادي من غزة لصالح نشوء ثنائية فلسطينية بزعامة حماس الى الانسحاب من جنوب لبنان وحرب 2006 مع حزب الله التى وفرت زخما قويا لمزيد من التصعيد الاسلامي ,
توازى مع كل ذلك الاجراءات الاسرائيلية على الارض بهدف قتل صوت الاعتدال ودفع المنطقة الى افق مسدود في حل مشكلة الشرق الأوسط وتوفير الشرعية والاسباب لزيادة منطق القوى الاسلامية والقوى الرافضة لعملية السلام الأمر الذي يعيد توفير العديد من الاسباب للبرهنة على عدائية الطرف الآخر لاسرائيل وللسلام ، الى ان وصلنا الى دخول الولايات المتحدة في تفاهمات مع التيارات الإسلامية لإستلام السلطة في العديد من دول المنطقة.
من ذلك يبدو ان المنطقة دفعت بشكل استراتيجي وممنهج نحو هذا التصعيد الديني ونحو تغليف افقها بافق ديني قوي مع الدفع باتجاه خلط السياسي بالديني بحيث تكفل هذه التولفيه امكانية زيادة حدة التنافس بين التيارات الدينية على السلطة السياسية، تمهيدا لتقابلها او اصطراعها بشكل يكفل بالنهاية اضعاف دول المنطقة واعادة صياغة موازين القوى فيها وربما ايضا اعادة رسم خارطتها، ولنتذكر ان اطول صراع اوروبي داخلي الذي امتد لمئات السنوات كانت على أسس من صراع ديني في إطار الديانة المسيحية.
وما يدور اليوم من تفاهمات بين قوى غربية وغير غربية مع التيارات الاسلامية ومحاولة التصعيد السلطوي للاسلام السياسي لا يمكن ان تكون حباً بالاسلام بقدر ما هي توفير للأرضية الصلبة لزيادة حدة الصراع والانقسام الديني في المنطقة وبالتالي اضعاف دول المنطقة وزيادة حدة الصراع الداخلي بها وايضا خلق عدو ضعيف يوفر لاسرائيل مبررات عديدة ان باتجاه المزيد من القوة او الخروج من مأزق السلام والدولتين وبما يضمن أمنها في النهاية.
-الرأي -