منتدى الإعلام العربي في دبي: الانكشاف والتحول
16-05-2012 12:20 PM
عمون - ل فارس الخوري
رئيس تحرير بي بي سي عربي
بدا عنوان منتدى الاعلام العربي الحادي عشر في دبي (8-9 ايار/مايو 2012) متسقا مع الاحداث في العالم العربي، فقد اوضحت السيدة مريم بن فهد، المديرة التنفيذية لنادي دبي للصحافة، في تقديمها "لقد دفعت الاحداث الاعلام دفعا الى كشف الحقائق، بما في ذلك حقائق كثير من مؤسسات الاعلام ووسائله".
على مدى يومين من الجلسات والنقاشات بُحثت مختلف جوانب العمل الاعلامي العربي، لكن سادت نقطتان رئيسيتان:
موضوعات ذات صلة
ثقافة وفنون
الاولى، اين يقف الاعلام العربي من الاحداث التي تعصف ببعض الدول العربية، هل هو اعلام موضوعي محايد ينقل الاحداث بأمانة ومهنية ويترك للمتلقي من جمهوره، وبخاصة جمهور الفضائيات، اتخاذ الموقف الذي يراه؟ أم هو اعلام مواقف، يسترشد بمن يراه جمهورالاغلبية، فيتبنى رؤية من يُعد على حق بينما يُعد الطرف الثاني على باطل، يقف مع من يُعد ضحية ضد من يعد جلادا؟ فالاعلام، كما وصفه احد المشاركين "موقف، موقف مع الحق ضد الباطل"، لكن مع الالتزام بمعايير المهنية.
والنقطة الثانية، هي ما مدى مسؤولية الاعلام العربي عما جرى ويجري في العالم العربي، هل ادى الاعلام دوره في نقل الحقائق بامانة ومهنية وترك للناس ان يبنوا قناعاتهم على اساس ما تلقوه من معلومات دقيقة عمادها الموضوعية والحياد، ام ان دوره كان تحريضيا، فروّج لطرف ودان آخر، وبالتالي صار مسؤولا مسؤولية تاريخية عما جرى ويجري، لا بل بات عليه ان يعثر على حلول للأزمات التي تسبب فيها.
لبحث النقطة الاولى لا بد من ان الاشارة الى انه قبل عقود طويلة كانت بي بي سي سباقة الى وضع معاير المهنية في الاعلام موضحة ان الموضوعية والحياد والانصاف والدقة هي اعمدة العمل الاعلامي واسترشادا بها يُعد الخبر وينشر.
الحياد في الإعلام
وعلى مدى سنوات تبنت مؤسسات اعلامية كثيرة، و"العربية" منها، تلك المعايير ووضعتها في انظمتها المنشورة.
لكن الاحداث العاصفة في المنطقة كشفت، ومن هنا عنوان المنتدى، عن تحول واضح في اساليب عمل كثير من المؤسسات الاعلامية، ففي جلسة عنوانها "القنوات الاخبارية والثورات العربية: اسئلة حول التغطية والاداء"، اسهمتُ فيها، تعرضت بي بي سي العربية للانتقاد بالذات لانها محايدة لا تتبنى موقفا من هذا الطرف او ذاك! لا بل ذهب مساهمون في الجلسة الى نفي اي حياد في الاعلام.
المؤتمر حظي باهتمام رسمي تمثل في حظور قادة سياسيين
لكن كيف يمكن الوثوق بصحة معلومات تصدر عن اعلامي او مؤسسة اعلامية تقول صراحة إنها ليست محايدة؟ الا يؤثر عدم الحياد المعلن على دقة المعلومات وسبل التعامل معها من جهة وعلى مدى قبول الجمهور بها من جهة اخرى؟ وكيف يمكن الالتزام بالمعايير المهنية بينما يُنقض احد اهم اعمدتها، الحياد؟ وكيف يمكن القول بالموضوعية مع إنكارالحياد؟
الا يخشى، مع ضياع الحياد، من وضع صياغة خبرية تخدم طرفا دون آخر، الا يخشى من ترتيب الاخبار وفق عدم الحياد هذا، الا يخشى من اهمال خبر بسبب عدم الحياد؟
المقلق ان اعلاميين وحتى اساتذة في الاعلام، شاركوا في المنتدى، رفضوا فكرة الحياد واعتبروها نقيصة في زمن مضطرب لا بد ان يأخذ الاعلامي فيه موقفا مما يجري كما يرون.
لكن هل يقف الاعلامي مثلا مع جهة يدين لها بالولاء وقد دانتها منظمات حقوقية وانسانية دولية؟ هل يغمض عينيه عن حقائق لأنها لا تتفق مع موقفه؟
وكان لافتا في المؤتمر ان مقدمي برامج ومذيعين قالوا صراحة إنهم ليسوا بقادرين على وضع آرائهم الخاصة جانبا واتباع نهج محايد في عملهم.
وقال البعض إن المزاج العام لدى الجمهور لا يحتمل الحياد، وإن الجميع يريدون ان يستمعوا وان يشاهدوا، ما يرضي قناعاتهم ولن يلتفتوا الى اي طرف محايد، وانهم ينفضون عن اي فضائية محايدة. اذا كان الامر كذلك فلم اذا ازداد الاقبال على بي بي سي العربية خلال العام الماضي فارتفعت نسبة المشاهدة ب 80% عما كانت عليه؟
ارى ان الجمهور اذكى من ان ينقاد الى اعلام غير محايد، فلا تجوز الاستهانة به وبقدرته على التمييز بين ما تبثه عشرات الفضائيات الاخبارية من بين اكثر من خمسمئة فضائية عربية.
حدود مسؤولية الإعلام
وهنا أصل الى النقطة الثانية، الا يخشى من ان يقود عدم الحياد الى مهاوي التحريض؟
اوضح زميل مشارك في الجلسة انه لا ينبغي تحميل الاعلام، والفضائيات منه، اكثر مما يحتمل وبالتالي لا يعد مسؤولا عما جرى ويجري في المنطقة من احداث، وهذا قول فيه كثير من الصحة، غير ان آخرين آثروا ان يحملوا الاعلام المسؤولية الكاملة عما يجري وانه هو المحرك والمحرض.
وارى ان رفض نهج الحياد يسهم في تحميل الاعلام ما لا يحتمل من مسؤولية تاريخية عن الاحداث في المنطقة.
وفي الاحاديث الجانبية على هامش المنتدى رأى عدد من الاعلاميين ان تسليط الضوء على دور الاعلام وتحميله المسؤولية نجم عن فراغ سياسي تعيشه مجتمعات عصفت بها الاحداث الاخيرة ولم تعرف الاستقرار بعد، فالتفت كثيرون الى حوارات تلفزيونية يومية حولت مقدميها الى نجوم وابطال ينتظر منهم ليس فقط كشف الحقائق بل وضع الحلول.
بذل جهد كبير على مدى عقود من اجل تثبيت دعائم العمل الاعلامي المستقل والموضوعي والمحايد والمنصف والدقيق في معلوماته، فصناعة الاخبار لا بد وان تستند الى هذه المعايير.
ولا يتناقض هذا مع حرية التعبير والتحليل كما يمارسها كتاب الرأي واصحاب المواقف، فهم في الواقع يبنون مواقفهم على صحة معلومات تصلهم عبر مؤسسات اعلامية تعتمد المعايير المذكورة.
واليوم وفي خضم ما يجري في العالم العربي من تغيرات متسارعة يخشى من ان يكف الاعلام عن ان يكون اعلاما ويتحول الى سلاح لحسم الخلافات.