التجربة الديموقراطية والاصلاح
د. سامي الرشيد
14-05-2012 01:42 AM
إن شرط نجاح أية تجربة ديمقراطية هو في ترسّخ المؤسسات الديمقراطية بصورة تفرض على غير المؤمنين بها ضرورة احترامها، فدولة القانون هي الطريق الوحيد لبناء الديمقراطية-التي هي نظام وممارسة-حتى لو كان هناك من لا يؤمن بها.
لا تترسخ الديمقراطية إلاّ بعد أن تستقر دولة القانون، ولا تتقدم الدول إلاّ حين يبتعد القانون عن التدخل بالسياسة، وتبتعد الأخيرة عن توظيف القانون لصالح أهوائها.
يكون الشعب مهيئاً للديمقراطية في حال وضع له الإطار القانوني والدستوري، والذي من خلاله يمكن أن يؤسس لديمقراطيّته الوليدة، ويتعلم من أخطائه.
كما أنه يجب أن يعترف بتطبيق العدالة والمساواة على الجميع، ويقبل القرار الصائب ولو كان في غير صالحه.
حيث إن الديمقراطية هي شكل من اشكال التنظيم السياسي المباشر، كالاستفتاء بين الناس من خلال توافق الآراء لانتخاب ممثلين عن الشعب، وقد بدأت زمن الإغريق للخلاص من الدكتاتوريات والعودة لحكم الشعب وتطبيق المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية بين الناس.
ليس سهلاً أن تحكم ولعلها أقل صعوبة أن تعارض، بالطبع ليس ذلك هو الحال في الدول الدكتاتورية، فهناك تصبح المعارضة أكثر صعوبة، وفي أحيان كثيرة لها ثمن فادح، ولكن في الدول الديمقراطية، فإن المعارض يعبّر عن آمال الناس وطموحاتهم، وفي أسوأ الأحوال فإنه يستطيع ان يدعي تنفيذ سياسات الحكم بطريقة أفضل ممن يحكمون.
ولكن من يحكم لا يستطيع أن يستسلم للآمال والطموحات والأحلام، فلكل واحدة منها ثمن.
هناك دائماً ندرة في الموارد والقدرات، بينما قائمة الطلبات لا نهاية لها.
لا يرغب معظم الحكام عن التنازل عن سلطاتهم أو الحد أو التخفيف منها دون انتفاضة شعبية ومطالبة مستمرة، حتى يصبح الجميع متساويين أمام القانون في تكافؤ الفرص، وإعطاء الحريات والحقوق التي تكفلها الدساتير الحقيقية والتي يحافظ بها على مصالح الجميع.
ففي أوروبا وبعد قيام الثورة الصناعية في فرنسا، وبعد الحروب التي دامت طويلاً في الولايات المتحدة الأمريكية، قامت دول أوروبا وأمريكا بتطبيق الديمقراطية التمثيلية، حيث لحقها العديد من الدول لتبني تلك الأفكار لتطبيق روح المساواة بين أفراد المجتمع.
وفي المجتمعات المتخلفة تقوم فئة بالمناداة بالديمقراطية وإيهام الناس بنشر الحريات والمساواة بينهم، وعند انتخاب زعيم أو رئيس لتلك الدولة، فإنه يستأثر بالحكم ويحوّله لحكم دكتاتوري استبدادي فردي محض، منتزعاً كل حقوق الشعب وربطها به، مما يشجّع من حوله أيضاً التصرف ذات التصرف، ويصبح هناك مراكز قوى وينتشر الفساد بين الناس وتتخلخل أركان الدولة وتعم الفوضى التي هي غياب حكومة معترف بها علناً أو فرض السلطة السياسية عند استخدامها وهذا يعني الفوضى السياسية أو الخروج على القانون داخل المجتمع. وللتغلب على ذلك فإنه يجب قيام دولة اجتماعية تتسم بروح العدالة والمساواة وتطبيق القيادة الجماعية التي هي بند من بنود الديمقراطية.
الحكم مسؤولية ضخمة ومن قال إنه تكليف وليس تشريف كان يصف الحقيقة، وهي أكثر أهمية من كل الأوقات عندما تمر البلاد بحالة عصيبة.
إن الحاكم الذكي هو الذي يفتح النوافذ للشعب، حتى لا تنحبس صرخاته، وتتحول إلى كراهية وحقد وتآمر.
وهو الذي لا يغلق الأبواب الدستورية أمام شعبه، وكل حاكم فتح النوافذ والأبواب أطال مدة حكمه.
إن الأنفاس المختنقة تخرج من الأبواب المفتوحة، وتفسح مجالاً للهواء الطلق، أما الأنفاس الحبيسة فإنها تتحول إلى غازات حارقة تؤدي دائماً إلى الانفجار.
إن الإصلاح هو طريق ناجح للاستقرار ويبعث الأمن والطمأنينة بين الناس.
أما الحريات فإنها ليست شهادة تأمين للشعب بقدر ما هي شهادة تأمين للحاكم. إنها العباءة التي تحمي صدره وهي الماء الذي يطفئ كل شعلة.
قال الشاعر:
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظلم
dr.sami.alrashid@gmail.com