سليمان عربيات يرسم سيرته على "وحه القمر" في "الرواد"
13-05-2012 02:35 PM
وقّع الدكتور سليمان عربيات في منتدى الرواد الكبار مؤخرا كتابه "وجه القمر" الصادر عن دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع بدعم من وزارة الثقافة برعاية رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري.
وتحدث في الحفل الذي أداره المدير التنفيذي للمنتدى عبدالله رضوان، رئيسة المنتدى هيفاء البشير، والدكتور كامل محادين، كما تضمن الحفل عرض شريط بصري لأماكن وشخصيات في ذاكرة الدكتور سليمان عربيات.
كلمة رئيسة المنتدى البشير
مساءً طيباً بكم وبحضوركم ، ويزدان هذا المساء بهاءً بهذه المناسبة الطيبة في حفل توقيع كتاب "وجه القمر" لمعالي الأستاذ الدكتور سليمان عربيات، لذا فاسمحوا لي باسمي وباسم هيئة إدارة جمعية الأسرة البيضاء / منتدى الرواد الكبار أن أرحب أولاً بالأستاذ طاهر المصري رئيس مجلس الأعيان راعي هذا اللقاء، مؤكدة سعادتنا العميقة وفرحتنا بتشريف منتدى الرواد الكبار بهذا الحضور.
كما وأرحب بكم جميعاً، وبأعضاء وأصدقاء وضيوف المنتدى، رجالاً ونساءً، فقد اغتنى هذا المكان بكم في هذه المناسبة التي تحمل معنى خاصاً، فالمحتفى به الدكتور الأستاذ سليمان عربيات، ابن مدينة السلط، مدينتنا الغالية والقريبة من القلب وإلى القلب دائماً.
لقد حرصنا ومنذ افتتاح المنتدى منذ عامين، أن نقدم للأعضاء والأصدقاء برنامجاً ثقافياً متنوعاً،ليكون المنتدى أقرب إلى مركز اشعاع حضاري، يقدم الأرقى والأنقَى مع الحفاظ على النوعية وعلى التنوع معاً بما يغطي مختلف الجوانب الثقافية والفنية، بالإضافة إلى الأنشطة الإجتماعية، وأنشطة اللياقة البدنية، والأنشطة الترويحية المختلفة ليكون المنتدى بذلك مركزاً شاملاً في خدماته المقدمة لكبار السن من الأعضاء والعضوات أولاً ، ولأصدقاء المنتدى وصديقاته ثانياً.
وبهذا نكون في جمعية الأسرة البيضاء قد حققنا خدمة شاملة ومتكاملة لكبار السن سواء من خلال "دار الضيافة للمسنين" والمخصصة لكبار السن من منحدري الصحة، أو من خلال هذا المنتدى لكبارالسن واصدقائهم القادرين على العطاء والتواصل بخبراتهم مع الآخرين.
وإنني أؤكد اعتزازي شخصياً ومؤسسياً بهذ النشاط، فكتاب "وجه القمر" انما يمثل سفراً حقيقياً يرصد تجربة واحد من رموزنا الأردنية التي نقدرها ونحترمها، وخلال ذلك فهو يرصد أيضاً سيرة وطن وحركة حياة.
مؤكدة ترحيبي واعتزازي بكم جميعاً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة المصري
وقال رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري في كلمة بالمناسبة، شكرا لك يا دكتور سليمان، فقد أكرمتني بوجودي بينكم اليوم، لرعاية هذا الحفل بمنجزكم كتاب "وجه القمر" لأتحدث عن سيرتك الذاتية.
وأود هنا ان اتحدث عن معاني ومفاهيم سيرة حياتك، خصوصا ونحن نفتقد لكتابة السير الذاتية التي تكتب بكل وضوح وصدق، لقد عكس الكتاب سيرتك، حيث وصفت مثابرتك مذ كنت طفلا، إنك شخص ذو إارادة، تكره الهزيمة والضعف، وهي صفات نادرة في الانسان.
اتمنى لك السلامة والسعادة، فكتابك لا يمثل سيرتك فقط، بل يمثل حقبة من سيرة الأردن، فالتاريخ لا يكتب بالأحداث الكبيرة فقط، إنما بتفاصيل حياة الناس اليومية والعادية، وهو كتاب يثري الذاكرة الوطنية، وهذا النوع من الكتابة يفيد في كتابة تاريخ وطن، كما يعمل على تعزيز ذاكرة أمة.
وأنا أكثر الناس شعورا بأهمية ما كتبت، لأنني قصرت بحقي وبحق بلدي، لأنني لم أكتب سيرتي، وأحاول الآن أن أتذكر... ولكنني أشعر بالذنب والتقصير أكثر مما مضى بعد كتابتك لسيرتك التي تعبر عن تنوع حياتك وحياة الأردن.
قامتك مرفوعة دائما، ودائما أعلى من المرض، ولك طول العمر، وبنفس أقول للسيدة أم عمر يعطيك العافية، فلها فضل كبير فيما حققت وأنجزت.
محادين
لقد قادتني قدماي إلى عمادة كلية الزراعة في أواخر الثمانينيات ولم أكن أعرف الدكتور سليمان عربيات ولكني ذهبت لأبارك له بالمنصب ووجدت نفسي مع شخص منفتح ، يجيد الخطابة ، له حضور متميز مندفع ، وما هي الا أشهر قليلة ...
وإذ به وزيراً للزراعة ولم تسنح له الفرصة لإتمام ما أراد في تطبيق جزء من عمله في الزراعة ، وبعدها عاد إلى جامعته الأردنية والى صومعة التعليم الجامعي فخوراً بنفسه وعاد ليعمل وتنازل عن كونه يحمل لقب معالي ليعمل نائب لرئيس الجامعة الأردنية ضمن المؤسسة الأكاديمية فكبر في نظر الآخرين جميعاً .
عمل أبو عمر بما أعطي من قوة لرفع سوية العمل الإداري في الجامعة وأحدث لمنصبه لوناً جميلاً وعطراً فواحاً وأتاحت لي هذه الفرصة أن أعرف رجلاً أحب تربة وطنه ونظام حكمه ، ونادراً ما يلتقي الرجال على محبة الوطن والنظام والعلم والمعرفة في آن واحد يبدعون في الدفاع عن منجزات هذا الوطن.
وكان من نصيبه الإبداع لفترة طويلة ولم يهدأ له بال ولم يسترح فكره أو قلمه أبداً ولم يعتزل ولم يتراجع بل بقي أستاذاً في صومعة جامعية ، يدافع عن الوطن ومنجزاته ...
وتنقل إلى موقع آخر ... وعاد عوداً حميداً وكبيراً لجامعة مؤتة ... أكرم الله الهاشميين وأعز ملكهم ومن ثم أنتقل الى الجامعة الهاشمية .
كنت دوماً أود مخاطبة سليمان على صفحات الجرائد وترددت ولكن أبا عمر يبقى كعادته (وجاء دوري هنا) ولكني سأسطر بعض ماكتبت في دفتر مذكراتي ورسوماتي عام 1994 ولأول مرة أنشر مقتطفات فيها عن شخص من مذكراتي اليومية:
"أما سليمان عربيات ، فهو محب لبلده مخلص لعرشها . مرهف الحس ، موهوب ، كاتب مقالة ، يحب الشعر والعلم ، متميز في الآداء والخطابة ، متفائل ...متجدد معطاء ، رجل يرسم بالكلمات الحرة بعض أشعاره بأسلوب نادر وصفه".
أخي سليمان، (أبا عمر) أطال الله في عمرك ومتعك بوافر الصحة والعافية لك محبتي ومحبة كل معماري الأردن، ولكن هذا حفزني لزيادة معرفتي وترحالي ورسوماتي والإكثار منها علني أنهي كتابي القادم لأضيفه إلى مكتبتي المتواضعة علّك تسطر به كلماتك الحرة إن شاء الله.
أصبح هناك من الواجب لازما أن أذكر رحلتنا إلى روما لزيارة جامعة العمارة في البندقية وبرفقة الزميل العزيز الدكتور علي أبو غنيمة لحضور مؤتمر علمي هناك ولمتابعة برنامج "مشاريع المتوسط التعاوني" آنذاك التي ساهم بدعمها آنذاك لانفتاح فكره واسلوب عمله ، وقادتنا أقدامنا إلى هذه الجامعة المعمارية (وليس قسم أو كلية) وهذا إسمها.
والتقينا برئيسها وكنت قد تألقت في الحديث وبهدوء وجدية متكاملة وقلت لك وقتها إن حظك في الحكومة قصر ... وبعد الإجتماع عدنا إلى ساحة الفندق الجميل الرباق المطل على شاطئ البحر وبدات أرسم مبنى سينت جورج التي صممها المعماري المشهور بلاديو وكان ذلك يوم الإثنين 26/1/1994م ووقفت أنت تراقب ماأرسم وتردد بعض كلماتك العطرة ولك ما ورد في مذكراتي حسب قولك آنذاك:
" ان البندقية سيدة حسناء تغرق في نهر من عصير الورد ، وعندما نعبر من النهر الى الشارع في العوامة لديك شعور بأنك تسير على أوراق الحوار المترامية في أحضان الشرق ".
" وحتى هذه اللحظة وبالرغم من جمال لم أرى إلا عينان جميلتان ويبدوا أنهما سرقتا من أحد تماثيل متاحف روما الشهيرة ".
" كم تمنيت لو زرتها قبل الولوج في الثلاثينيات . كل شيء ممتع ولكنك لاتصل إلى حد النشوة فهذه الجناديل تتمشى مع المياه في دوامة الفن والمحبة".
" والعمارة فيها نوع من البسيط الجميل حيث الحضارة اللا متناهية والحواس عندهم رهيفة ، ويجب أن تكون مرهف الحاسة حتى تشعر بمعنى الفراغ (كلام فلسفي شاعري منطقي) ".
" نحن هاربون من جلودنا من المكان والزمان حتى تشعر بأية متعة ، سؤال إلى حد نستطيع الإستمتاع فهل هناك حدود ولكن البحث عن الجمال هل له حدود ، المتعة والحس بالجمال ، فالجمال له مقومات ، عناصر وتكوين معين ، إحساسك بأنه يجب أن ترتبط شبكاته".
" لقد تقدم بنا العمر والمرحلة التي نعبرها هي المنطقة الرمادية ، ويغدو العالم المرتعش الملون ، كثيف في ألوانه الغامقة ".
كان هذا بعد ظهر الإثنين يا أبا عمر وقفت وانت تردد هذه الكلمات وأنا أسطر خطوط مبنى سينت جورج .
سيرتك الذاتية في وجه القمر تتحدث عن سليمان عربيات الإنسان ...
أخي سليمان ، لن أوفيك حق الشكر فكلماتي تعجز عنها وإن كانت كتاباتي للنص في حدودي المتواضعة ولكنهم في الكرك كما في عمان والسلط محظوظين ، وبالأحرى كل الأردنيين بأن لدينا أساتذة تربويين أفاضل إداريون هم ضمائر الأمة ، لن أمدحك بما ليس بك ولكنني في ربوع مؤتة .. لدينا كفاءات أردنية ندرت .
لم أكتب الشعر ولم احاول إلا ما ندر ولكني سأقول وأردد بعض الأبيات كانت والدتي قد أهدتني إياها عام 1982م وهي لسميك سليمان عويس عندما أودعتني اياها والدتي عندما ذهبت لدراسة الماجستير والدكتوراة ومازلت أحتفظ بهذه الورقة في محفظتي الشخصية :
مسافر والله معك رب السما يرعاك
ضرك ولا ينفعك إلا حس مسعاك
زين الشهايد ترى صيتك وحب الناس
إحفظ وصية هلك رب السما يرعاك
اخي سليمان ... لقد حافظت على وصية هلك لأن خوالك مرويين بالطيب فأنت إبن ناس رب السما يرعاك فليحفظك الباري عزوجل وليحفظ عمر وأخواته حتى يحفظون اسمك على لسان الناس لأن احسن شهادة لك هي صيتك وحب الناس ... رب السما يرعاك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سليمان عربيات
على هامش سيرتي الذاتية : وجه القمر
أستطيع القول : أنني بعون الله ، وصلت إلى نهاية كتابة سيرتي الذاتية – وجه القمر- بعد ثمانية شهور من البحث والكتابة والمراجعة ، قضيتها بين أجزاء كتبتها في أوقات متباعدة على أربع كراسات ذات أوراق ملونة برسوم الفراشات والطيور أو الزهور ، او باسترجاع ذاكرتي هاربة عبر سبع عقود من الزمن .
لا استطيع أن أصف مشاعري عندما أرسيت أخر كلمة سطرتها في سفر حياتي الغالي .
وصلت في النهاية الى النهاية ، مثل نهر أدرك مصبه في شواطئ المحيط . في السيرة جيوب مثل جزر منسية حالت دون التوقف فيها قيود فرضتها ظروف استثنائية ، تجاوزتها في حينها بقصد أو بغير قصد .
عدت إلى كراساتي" الأربع ، ولكل واحدة منها طعمها الخاص وعبقها الخاص بالرغم من تشابهها في عمق العذابات التي يعكسها في كل حرف وكلمة وعبارة من عباراتها كتبت في زاوية إحدى كراساتها.
تعبر الخواطر في داخلي عبور الطيور المهاجرة الى واحة الأزرق وتغادرها مغادرة الأحباب في يوم الرحيل . قد لا أذكر ماكنت أفكر فيه ، إلا أنني كنت أشعر بالسعادة التي سرعان ما تذوب كما يذوب الثلج في يوم مشمس ... كثيراً ما واجهت التحديات في مجتمع لا يعرف الا لغة التحدي .. كتمت غضبي في مواجهة الإحتقان الزائد وردود فعلي السلبية تجاه المسؤول الذي يحملونه وزر كل شئ حتى لو كان لا ذنب له ، وهو أمر لايزعجني كثيراً بل أعتبره من حق الآخرين ومن طبيعة الأشياء ، وجزء من تحمل المسؤولية والقيام بالواجب .
مهما حاولت أن أبوح وبصورة عفوية عما يخالجني من مشاعر الفرح أو الحزن ، فإن هناك جوانباً في حياة الإنسان مدفونة في أعماقي تحول دون الوصول الذاكرة إليها أقرب ماتكون إلى الأشياء الميتة أو المهملة .
لم أكن أعيش لذاتي بل كانت لي علاقات متشابكة وحيوية مع الآخرين . لم أخشى احدا الا الله ولو تغولت في السلطة ولكنني دافعت عن المؤسسة وحاربت الفساد والظلم أنى وجدته . أعرف ان أخطر ما في شخصي هو الصراحة والمواجهة .
كنت أشعر دائما في سريرتي بأن جامعة مؤتة هي مسك الختام في الوظيفة الرسمية ، لذلك فقد اعطيتها اكبر جهد واكثر إخلاص ، وامتزجت روحي بالاماكن والناس وتخيلت مع المؤمنين البسطاء أطياف جعفر وعبدالله وزيد مع ضباب صباح مؤتة الندي .
أعود بين الفينة والفينة إلى صفحات مطوية من أحد كراساتي الأربع ، مخزن الذاكرة وصندوق أسراري واعيد قراءتها ....بكيت كثيرا من أجل الضعفاء المقهورين المهمشين ....ولم أبك لحالي ولن أبكي لأنني لا أقبل الهزيمة أو القهر أو الإذعان لسطوة الإنسان ... طردت الكراهية من حياتي ، وبعدها أصبح قلبي ، أو هكذا أشعر ، بأنه الملجأ الآمن للحب وللضوء الأبيض .
اقف اليوم أمامكم ، لا أقرض كتابا قرأته ، وإنما لأتحدث أو أطوف حول كتاب ألفته ، على هامش سيرتي الذاتية – وجه القمر- أقف أمامكم وأنا أشعر بأنني في تصالح مع نفسي وبالإحترام لهذه النخبة الكبيرة التي كرمتني بالإستماع الي . قرأت ما كتبته في فصول هذا الكتاب الذي أشعر معه بأنه مثقل بالفرح أحياناً وبالوجع أحياناً وبالصبر أحياناً وبالمقاومة أحياناً .
كتب العديد من الأصدقاء كلاماً جميلاً قد لا أستحقه ، فأدخل مزيداً من البهجة إلى قلبي . كتبت سيرتي الذاتية وأعيشها اليوم كحالة استثنائية خاصة .
حاولت أن أكون صادقا في كل ما اكتب وأن أتجاوز المبالغة او الضعف أما النزوات . كنت أحيانا اسارع الزمن في الكتابة ، فجلست لساعات طويلة رغم الوجع الذي عانيت منه .
فوصلت الي قناعات لم آلفها بالسابق ، وهي الفصل التام بين النفس والجسد ، لا بالمعنى اللغوي فقط بل بالاحساس والمشاعر وكان الايمان بالله والقوة المعنوية وراء الصبر والسكينة .
وقفت متفرجا على الأحداث أراقبها من بعيد ، كما أشاهد الآخرين في الحياة اليومية . أنسى أحيانا انني اراقب ذاتي وهي تتحرك وتتفاعل أمامي مثل الطيف العابر، وكأنني اخرج من جسدي ولا استطيع العودة اليه . كنت مثل رجل الفضاء ، بعدما يغادر كابينته الى الفضاء اللا نهائي . مشيت على هامش الفصول التي كتبتها ، بدأت بالجذور ، هذه النستولوجيا والعشق للماضي ، والحياة المتخيلة للبداوة ، ولأنني من المتعلقين بحب البادية ، رحت أررد أشعارها في الحل والترحال وبخاصة أشعار " العماريات" الشمريات .
امتدت سيرتي الذاتية " لسبعة عقود " حاولت جاهداً أن أضعها في فصول متتابعة حسب التكوين أو البناء الفني المطلوب ، وضعتها في صورة روائية ، فهي بالتالي قصة حياة بعجرها وبجرها . تحدثت عن أيام الطفولة ... لم تكن طفولتي متفردة ، ولم أكن ممن ولودوا وفي فمهم معلقة من ذهب ومع ذلك كنت طفلا سعيدا .
كتبت في التفاصيل عن حياتي الريفية للناس وتقاويمهم الزراعية ... العادات والتقاليد وفنون الزراعة والمأكل والملبس ووالأفراح . وعندهم أوصلت داستي في الكتاتيب ومدارس طوائف والحكومة ، ازداد اقترابي من الحياة العامة وكنت ملتزما بواجبي الوطني . كتبت على عدة صفحات " بوح " خاصا عن الحب في الزمن الجميل .
في حياتي أشخاص رحلوا ، لم تغادرني أطيافهم حتى الآن ، أطياف والدي ووالدتي واخي الأكبر الذي آثروا حياتهم بشخصياتهم وحبهم الكبير لي . غادرت بلدي للدراسة في جامعات عربية وغربية ، وأنا لا أملك الا القليل من المال ، وحققت ما أريده بعد قصة حافلة بالتحديات عانيت خلالها كثيرا من الصد أو الطرد من بلدان عربية ما زلت أحبها . واصلت ملاحقة أحلامي في الجامعات الأمريكية.
وعدت الى بلادي لأحقق حلمي في خدمة وطني . لقد حرمت من خلال سردي لفصول سيرتي الذاتية أن يظل عالمي مفتوحا على طبيعته لتظهر الأمور على حقيقتها ، وتحت هذا العنوان أٌقول : بأنني كنت في كثير من الأحيان هدفا لإجراءات تعسفية رسمية ولكنني رفضت القبول أو الخضوع أو الشكوى من كل ما واجهني ولم أقبل أن أظهر بمظهر الضعيف.
أصبحت نقيبا للمهندسين الزراعيين ، وصمدت أمام الصعوبات التي واجهت العمل النقابي وأصبحت وزيراً لوزارةالزراعة ولم أميز بين أن أكون نقيباً في صفوف النقابيين أو وزيراً في الحكومة . كنت أولاً وأخيراً أكاديمياً سواء في التعليم أو الإدارة ، لم أفقد هذا الفخر ، إلى أن تقلدت رئاسة ثلاث جامعات هي العلوم التطبيقية ومؤتة والهاشمية . أمضيت في التعليم عن ما يزيد ثلاثين سنة هي من أجمل أيام عمري إن لم تكن أجملها .
عانيت من المرض اللعين وتزاملت معه منذ عام 2000م ، كان صديقاً وعدوا في آن واحد . كنت أخيفه واتجنب إظهاره بشكل عام ، من خلال شكمي للجامه.
آمنت بالله وحده القادر على حمايتي فأعانني جلت قدرته في التغلب عليه . مضيت في طريقي ولم أكن يوما ضعيفا أمامه وقمت بواجبي وأديت رسالتي . لقد ظل المرض مثل ظلي ولكن قامتي كانت دائماً اطول منه .
وصلت في النهاية إلى بوابة ، فتحتها فاخذتني الى حياة جديدة أطلقت عليها " مابعد السيرة الذاتية".
في زوايا او فصول من سيرتي الذاتية ، كتبت عن تجربتي ورؤيتي للتعليم العالي وتصاعد الخلافات في الرأي أو الفكر أو الموقف مع أصحاب الوصايات المفروضة على الجامعات.
ومن المهم أن أشير بأنني في الختام وضعت ماتعلمته من دروس في الحياة أمام الأجيال القادمة ، لعلها تجد فيها ما ينفعها . لم أدخل في تفاصيل السيرة الذاتية ، بل اكتفيت بالحديث حول ما أطلقت عليه مصطلح " على هامش سيرتي الذاتية".
أقف في هذه المحطة ، ليتقدم ثانياً بالشكر إلى دولة الأستاذ طاهر المصري رئيس مجلس الأعيان الذي كرمني برعاية هذه المناسبة وإلى جميع الأصدقاء والأحباء وأسرتي الذين غمروني بمحبتهم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته