كيف تسقط الدولة بأقل الخسائر
الفرد عصفور
12-05-2012 04:17 PM
(هذا المقال كتبه احد الخبراء الذي أطلق على نفسه اسم الكولونيل دان. نشره في مدونته منذ العام ألفين وواحد ( http://mddall.com/sbss/SBSShome.htm), النص بحاجة إلى قراءة متأنية للبحث بين السطور، فهل هذا ما جرى في بلدنا) .
إذا أردت ان تسقط دولة معادية قوية ومستقلة ومختلفة تماما عنك، دولة لا تريد مواجهتها عسكريا، ماذا تفعل؟ الجواب بسيط: نظم تدمير تلك الدولة من الداخل.
مع ان الأمر سيتطلب وقتا أطول بكثير من العمل العسكري وكثيرا من الصبر فان الدمار الذي سيقع سيكون أكبر. عندما تدمر دولة من الداخل فهذا يتم من خلال شعب تلك الدولة نفسه، لا دماء ولا قتال مع الاحتفاظ بالبنية التحتية شبه سليمة.
في أي بلد هناك القليل من المجالات التي تحدد كيفية نضج المواطنين ومعيشتهم وتطور تفكيرهم. وتلك هي النقاط المحورية التي يجب مهاجمتها. وقد اشار الجنرال كارل فون كلوزفيتش في كتابه : عن الحرب، إلى هذا المفهوم في التعريف عن نقاط مختارة في مهاجمة مراكز القوة لدى العدو والتركيز عليها لتدميرها.
مراكز القوة هي العوامل الأساسية في الدولة، فإذا ما تمت السيطرة عليها أو تدميرها فان هذا سيؤذي عدوك وهو العامل الحاسم في تحقيق هدفك. في هذه الحالة، فانه عند السيطرة على بلد أو تدميره من الداخل فان المفتاح لذلك هو مهاجمة عقل المواطنين والسيطرة عليه، ولذا يجب إعادة تشكيل الطريقة التي ينظر فيها المواطنون إلى الحياة والى القيم التي تأسست عليها حياتهم. أحسن إعادة تشكيل العقل فتسيطر على توجهاتهم. سيطر على توجهاتهم فيمكنك ان تقودهم إلى الجحيم.
مراكز القوة التي يجب إعادة تشكيلها من اجل تنظيم انهيار البلد من الداخل هي مفاهيمها عن الحق ومستقبل أجيالها وفلسفتها السياسية وشعورها الوطني وبطبيعة الحال اقتصادها.
من اجل إعادة تشكيل الحقيقة، سيطر على الإعلام.
في الوقت الراهن معظم الناس يستوعبون ما يعرفونه عن الحياة من وسائل الإعلام الرئيسية. يرسم الإعلام الصورة للجميع لكي يرونها. فان كانت تلك الصورة مشوشة على الدوام فان الأكاذيب تصبح مقبولة وكأنها حقائق. على سبيل المثال، أطلق ما يكفي من الأكاذيب بتواتر وسرعان ما ستصبح تلك الأكاذيب حقائق مقبولة. انسج ولفق، حرف واستغل المنابر العامة مثل التلفزيون والراديو والصحافة المطبوعة فيمكنك إحداث التأثير والسيطرة على عقول أغلبية المواطنين في أي منطقة تختارها. هذا التأثير المخرب يتضمن تحريض جماعة ضد أخرى بهدف خلق فتنة داخلية من اجل السخرية والاستهزاء بالمبادئ الأخلاقية والقيم الوطنية وتحديها بغرض هدم أي لبنة في الأساس الروحي القوي أو الانسجام الذي يشكل الثقافة الوطنية الفريدة. وهذه مهمة سهلة جدا ان كان الكثيرون من المستهدفين أصبحوا أكثر كسلا واقل تعليما واقل معرفة وغير قادرين على التفكير وأكثر ميلا للامبالاة.
من اجل إعادة تشكيل الأجيال القادمة، سيطر على التعليم.
أكثر من تلقين الأطفال المبادئ المتعاطفة مع فلسفتك. اجعل الأجيال القادمة ضعيفة العقل والجسم والروح. تفادي تعليم الأطفال الحقائق الأساسية عن تاريخ وطنهم ودستورهم وحقوقهم. علمهم انه من الخطأ الاحتفاظ بروح الاعتزاز الطبيعية وان الصحيح هو سهولة الانقياد والاستسلام. علمهم ان أي قاعدة للأساس الأخلاقي ومبادئ الدين هي من علامات الضعف التي يجب تفاديها باسم الحرية وكذلك إعادة تعريف مفهوم الوطنية لدعم وجهة نظرك. علمهم التخلص من القيم الأصيلة والتقاليد بحجة الحساسية. وفوق هذا كله، علمهم إننا يجب ان لا نسيء إلى احد بسبب معتقداتنا ومبادئنا القديمة والتقليدية. حدثهم عن السلاح. السلاح شرير وخطير وغير مقبول اجتماعيا، وهو شر يجب اجتثاثه من المجتمع من اجل الأطفال.
من اجل إعادة تشكيل الفلسفة السياسية اخترق الحكومة.
أينما وكلما كان الأمر ممكنا ضع أولئك المتعاطفين مع فلسفتك في مناصب في كل المستويات، وكلما كان المستوى أعلى كلما كان الأمر أفضل. وبهذا يمكنهم تحويل اتجاهات البلد ضمن كل فعاليات الحكومة، ليقدموا الوعود بحلول للمشكلات وأفكارا للمشاريع والفوائد المتوقعة. بهذه الطريقة يمكنك توجيه التشريعات نحو زيادة السيطرة الحكومية وكذلك الاعتماد عليها وهي الحكومة التي تقوم بتشكيلها.
بالتزامن مع هذا الأمر ان كان بإمكانك ان تملأ المحاكم بقضاة لا يقومون بتحميلك المسؤولية ومحاسبتك وفق القانون والدستور فيمكنك العمل بحرية مع ضمان الحصانة والإفلات من أي محاسبة أو عقوبة. الاختراق على أعلى المستويات يمكن ان يوظف من اجل إضعاف المؤسسة العسكرية عبر تخفيض موازنتها وفرض ضوابط غير مضمونة والتزامات لا يمكن تنفيذها وإضعاف معنوياتها وفاعليتها. فالدولة من غير جيش قوي مثل ثور من غير قرون ان نمر من غير مخالب، تصبح هشة غير قادرة على الدفاع عن نفسها.
من اجل إعادة تشكيل الحس الوطني اضعف الثقافة واللغة.
المجتمع القوي يملك في جذوره ثقافة متفردة ولغة مشتركة. ببساطة، فان الثقافة واللغة هما ما يشكلان الأمة ويوحدانها. فان استطعت التلاعب بهذين العاملين الحاسمين من خلال العمل التشريعي والضغط الاجتماعي فانه يمكنك إضعاف أساس أي دولة. كيف؟ عليك بالتدريج إدخال وفرض قبول مفهوم الثقافة التعددية ورفض مفهوم اللسان المشترك كلغة رسمية. باختصار عليك منع التوحد الثقافي وتخريب أي إحساس بالوطنية. عليك تشجيع وتنظيم مجتمع فسيفسائي وليس مجتمع الوحدة والتماسك وعندها ستتمكن وبالتدريج من ثقب النسيج الوطني وتخريبه.
من اجل إعادة تشكيل لاقتصاد: انفق، انفق، انفق ثم افرض الضرائب بكثرة.
ان دولة ذات اقتصاد قوي تكون مستقلة ماليا ولا يمكن لشعبها ان يتطلع إلى الدعم الحكومي. وان كان المواطنون الأحرار غير معتمدين على حكومتهم فان الحكومة تكون اضعف من ان تسيرهم وفق مشيئتها. من خلال تشريع إنفاق مبالغ كبيرة من الخزينة يمكنك تحقيق هدفين كبيرين. الأول ان تخلق أتباعا من القطاعين العام والخاص جاهزين للرضوخ للشروط والقواعد والتعليمات التي تصدر عنك. الثاني انك تضع تلك الدولة في حالة مديونية غير قابلة للخدمة مخفضا بذلك قيمة العملة وفي الوقت نفسه تخرب الاقتصاد. وبطبيعة الحال من اجل دعم كل هذا الإنفاق يمكنك الدفاع عن نفسك عبر الحديث عن ضرورة مساهمة المواطنين في الاستثمار في كل المنافع التي تقدمها الحكومة من خلال الضرائب التي تفرضها. أي ان تسرق أموالهم من جيوبهم وتنتزع الاستقلالية عن حياتهم. تدريجيا ان فرضت ما يكفي من الضرائب لتغطية الإنفاق فانك تقمع الشعب إلى درجة العبودية وتحمل البنية الاقتصادية ما لا تحتمل فتجر البلد إلى الانهيار.
من خلال التلاعب والاستغلال الصبور والتنسيق الذكي بين مراكز القوة يمكنك في وقت مناسب ان تنسج سقوط اكبر دولة باستخدام مواطنيها وأنظمتها من اجل ضبط إيقاع الدمار.
السخرية في الأمر انه خلال أجيال قليلة فان الجماهير ستقتنع بان هذا المسار الذي خصص لها هو بالفعل الدرب المضيء للإنسانية وسيصبحون بدون وعي منهم يتطلعون للانخراط في تلك العملية التخريبية لوطنهم.
بهذا تكون قد سيطرت على دولة عدوك القوية بدون إطلاق رصاصة واحدة أو إهدار نقطة دم واحدة.