لأعوام قليلة مضت امتلأت الساحة بمفردات منحوتة من لغة أجنبية لتكرس ثقافة سياسية قائمة على منطق العلاقات العامة والاستعراض الباهر واستخدام الضوء والظل بحرفية عالية لإيهام المتلقي بوجود مضمون عصي على الفهم في الوقت الذي تتمخض فيه تلك الحركات عن خواء سياسي لا يسمن ولا يغني من جوع.
هل اقترب أكثر فأوضح؟
ثمة أصوات تختبئ في الاعراف حيث لا سلطة لديها لاقضائية ولا تشريعية ولا تنفيذية رغم انها ترفع شعار المقاومة البائدة "كل السلطة للمقاومة" ، او كل السلطة لي ، هذه الاصوات تحاول جاهدة استخدام ما تيسر من مفردات ( معربة حديثا) أو هي في طريقها إلى التعريب والهدف الاستشراقي من هذه الآلية هو استعراض " انخفاض" نسب البطالة وتنامي التدفقات الاستثمارية وارتفاع نسبة النمو بالأسعار الثابتة وغير الثابتة وتوزع ثمار التنمية على الشرائح الموضحة في الرسوم البيانية،فيصبح الوطن على الشاشة كجنات عدن حتى انك تفاجأ بان ذلك الحديث وتلك الأضواء تتحدث عني وعنك وعن تلك الوجوه التي نراها في السوق، فتحل جميع مشاكلنا ب"click" واحد على ال"Kay board" في حين أن الوضع على الأرض اقل طموحا مما يبدو على الشاشة.
بالجملة فأن الحياة التشبيهية ليست كالحياة على الأرض، والنسب والأرقام والشرائح على ال"بور بوينت" ليست كالحياة في البيت أو العمل أو في الشارع، والحياة التشبيهية لها فرسانها الذين يستطيعون أن يصنعوا من الضوء والظل وال"داتا شو" عالما ورديا جدير بالعيش لكن هؤلاء لا يقفون على ارض صلبة ولا تعفرت أقدامهم بتراب الطريق ولا لوحت جباههم شمس تموز.
نقول لهؤلاء ان العالم ليس محصلة مجابهة بين ال" power point" و"البيضة والرغيف" والساحة ليست مسطحة لتبدو ببعدين، فهذا المنطق الاقليدي( نسبة لاقليدس) عفا عليه الزمن، وثمة أبعاد ربما تتجاوز الثمانية لذلك فالحياة أكثر تعقيدا من أن تختزل في صراع بين من يتقن " اللعب " على ال"data show" ومن لا يرغب في تعلم هذه اللعبة.
في كل الدول حديثة - والأردن بطبيعة الحال إحداها - هناك سلطات دستورية تعرف وظيفتها جيدا والدستور واضح تماما لمن يجيد القراءة سواء اتقنا اللهو على البور بوينت أم جهلناها، فالمجلس النيابي يمنح الثقة للحكومات أو يحجبها عنها معبرا عن إرادة الأمة والحكومة تحكم وتمارس ولايتها العامة ما دامت تحظى بشرطي الثقة: ثقة سيد البلاد وثقة البرلمان.
حببا لبلدنا لا تصنعه ال"Data show" والولاء للملك فطري في جيناتنا لا يخضع لوحدة قياس ولا ينسحب بالضرورة على احد مهما كان قريبا، ونحفظ خريطة الأردن ببساطة لأنها محفورة في قلوبنا وليست على شاشة "lab top".
samizbedi@yahoo.com