الملك وضع كل النقاط فوق الحروف
جهاد المنسي
09-05-2012 02:54 PM
بكل وضوح وشفافية عالية، تحدث جلالة الملك عبدالله الثاني ظهر الإثنين إلى النواب، موجها الجميع بقوله "يجب أن يكون واضحا للجميع أننا مصرون على المضي في الإصلاح السياسي، وأننا نعمل بكل جدية لنشهد انتخابات نيابية قبل نهاية العام الحالي".
إذن، هو الكلام الفصل، والكرة الآن في مرمى الحكومة ومجلس النواب معا، اللذين عليهما قراءة المرحلة جيدا، واستشراف ما يريده الملك، وأن يتقدما خطوات تجاه الرؤية الملكية للإصلاح.
السلطتان التنفيذية والتشريعية عليهما، أولا، عدم إضاعة الوقت؛ فنحن لا نملك ترف إهداره، والذهاب بخط مستقيم لتحقيق قفزة إصلاحية تحسب لنا، والمضي قدما لإقرار مشاريع القوانين الناظمة لعملية الإصلاح المنشود.
وحتى نضع الحصان أمام العربة، فإن الحكومة والبرلمان عليهما قراءة المشهد الأردني بوضوح والبناء عليه، وإدخال تعديلات إصلاحية على كل القوانين الناظمة للإصلاح؛ تعديلات تؤمن مشاركة واسعة من قبل جميع الأطراف، وتسمح بانتخاب مجلس نيابي مستقبلي بنزاهة وشفافية، يتسع للجميع، وتجلس تحت قبته الأطراف كافة.
ولذا، فإن الحكومة عليها الخروج من عباءة المحافظة التي وُسمت بها فور تشكيلها. كما أن على المجلس النيابي الابتعاد عن ردات الفعل، وفتح ذراعيه للجميع؛ معارضة وموالاة.
ولكي نؤمن ذلك، لا بد أن تخرج السلطتان (تنفيذية وتشريعية) من التفكير في ابتكار طرق لوضع الضوابط والتعقيدات في صلب تشريعاتنا، والانطلاق تجاه إصلاح حقيقي، يؤمن إطلاق الحريات، وتوسيع هامش المشاركة، وتعزيز دولة المؤسسات والقانون، وبالتالي الانتقال بالبلاد والعباد من مربع المراوحة إلى مربع العمل والانطلاق.
ولكي نحقق ذلك، فإن التعامل مع التشريعات الموجودة حاليا بين يدي البرلمان، كقوانين الانتخاب والأحزاب والمحكمة الدستورية، يجب أن يكون بروح إصلاحية حقيقية، تنعكس على نصوص هذه القوانين، ما يؤمن رفع منسوب التفاؤل.
تاج الإصلاح وعماده هو قانون الانتخاب، ومجلس النواب شرع قبل أيام في فتح حوار مع الأحزاب حوله، ويعتزم فتح حوارات مماثلة مع كل مكونات المجتمع الأخرى. ولكن فتح الحوار لا يعني أننا فعلنا ما يتوجب علينا فعله.
فالمجلس النيابي عليه التقاط المرحلة والهدف، وفتح حوارات جادة ومعمقة، وجلب الجميع إلى طاولة حواره، حتى لو كان البعض له تحفظات على عمل المجلس وطريقة أدائه. فالمجلس هو الوعاء الأكبر الذي عليه استيعاب الجميع والإصغاء إليهم، وأخذ ملاحظاتهم ووجهات نظرهم مأخذ الجد. أي أن يكون حوارا حقيقيا، وليس شكليا، لا يفضي بنا في نهايته إلى إعادة استحضار نظام الصوت الواحد، ومن ثم إعادتنا إلى المربع الأول.
المطلوب القفز عن كل صغيرة وكبيرة، والتوجه لمعرفة ما يريد الناس ومؤسسات المجتمع المدني، وعكس رغباتهم في مواد قانونية ناظمة للحياة السياسية. وربما هذا ما فعلته لجنة الحوار الوطني التي استمعت إلى الجميع، واستوعبت الجميع، وخرجت برؤية ربما تكون قابلة للتطبيق لو أمعنا النظر فيها جيدا.
فالمناكفة وإقصاء الآخر، لا يستقيمان والإصلاح، والحرد أيضا لا يخلق أفقا للحوار. وبالتالي، فإن المجلس النيابي مطالب أكثر من أي وقت مضى، بالتقاط الفرصة التي جاءته في الوقت الضائع، واستثمارها وتسجيل توجه إصلاحي تقدمي يعزز المشاركة ويرفع منسوب الحريات.
أما إن بقي البعض من أعضاء المجلس يراوح مكانه، فإن الفرصة ستفوت، وهذا سيبقي المجلس أسير ردات الفعل التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
الملك كان واضحا، وعلى الجميع، حكومة ونوابا وأعيانا، أن يكونوا بالوضوح الذي تحدث به الملك، وأن يستشرفوا المرحلة ويستشعروها، ويقرأوا ما بين سطورها جيدا، ويؤسسوا لمرحلة إصلاحية عمادها التشريع التوافقي.
وعلى الحكومة أيضا الكف عن القول إن قانون الانتخاب ملك لمجلس النواب؛ فالعرس ليس عند الجيران! والحكومة مطلوب منها التعاون مع السلطة التشريعية في إنجاز ما يؤمن الانتقال إلى مرحلة الإصلاح المنشود.
نعم، يعرف الجميع أن قانون الانتخاب قانون خلافي، ولا يمكن أن يُجمع الجميع على نظام انتخابي موحد، ولكن هذا لا يجعلنا أسرى لهذا الموقف؛ إذ على النواب البحث عن صيغ توافقية ترضي السواد الأكبر من الأطياف، والابتعاد عن الخوف من سيطرة هذا الطرف أو ذاك، فالتشريع السليم لا يمكن أن ينتج شكلا هلاميا غير حقيقي.
حاصل الكلام، أن طريق الإصلاح واضحة، وعلينا تعبيدها بقوانين تضمن السير فيها دون عوائق. وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال قوانين ناظمة له، ترفع مستوى الحريات العامة والمشاركة الشعبية؛ قوانين حاضنة للجميع، وتشريعات تؤمن بالرأي والرأي الآخر، بعيدا عن الاصطفاف والتمترس خلف تخوفات لا تنجي.
jihad.mansi@alghad.jo
الغد