يرقد الأسيران ذياب وثائر حلاحلة في المستشفى, وقد يكونان على حافة الموت بعد مرور 72 يوماً على إضرابهم عن الطعام احتجاجاً على الاحتجاز الإداري وعقوبة العزل الانفرادي اللذين تتبعهما إسرائيل- ضاربة عرض الحائط كعادتها كل القوانين والأعراف الدولية.
ويدخل أكثر من 1500 أسير, بينهم 22 أردنياً, اليوم الثالث والعشرين لانتفاضة الأمعاء الخاوية في ظل صمت عربي مريب وتواطؤ دولي معيب.
التواطؤ الدولي - إن كان من قبل وسائل الإعلام الغربية أو الحكومات والمؤسسات - محسوب بدقة; فالدول الكبرى والصغرى لا تلتفت إلى المنطقة إلا إذا كان هناك قتلى وجرحى إسرائيليون, أو أن هناك ما تعتبره تهديداً لأمن إسرائيل وسلامتها وعافيتها المحفوظة المقدسة.
وسائل الإعلام الغربية , ومن ورائها ثقافة التعالي والاستعمار, تعي تماماً أن إضراب الأسرى, كشكل قوي من أشكال المقاومة السلمية, وما يمثله من صور تضحية بطولية, لن يكون له تأثير التحدي الكبير والفعال لإسرائيل, من دون أن يدخل شخوصه كل بيت, وكل غرفة معيشة في جميع أصقاع العالم.
فالتعتيم الإعلامي المشين هو جزء من استراتيجية إضعاف وحتى هزيمة إرادة الأسرى, وبالتالي تجنيب إسرائيل مواجهة قبح جريمتها.
التعليل الذي يعطى لتفسير هذا التجاهل, كما فعل تلفزيون ال بي.بي.سي باللغة الانجليزية, هو أن "العنف يصنع الأخبار", هو تعليل ضعيف وكاذب, لأنه وكما أشار الحقوقي الدولي ريتشارد فولك" لو كان هناك 1300 شخص مضربين عن الطعام في أي مكان في العالم, غير فلسطين , لقامت وسائل الإعلام بتغطية مستمرة له وتناولت كل أبعاده وتفاصيله".
الموقف الغربي المحابي لإسرائيل متوقع, ولكن ما هي حجتنا نحن?
الصمت العربي تعبير عن عجز رسمي, بات بالشيء المعتاد , وان ما زال مداناً ويشير إلى تواطؤ مقصود, أو إلى خوف من أن تتخلى الدول الغربية عن دعمها الحكومات - بما في ذلك للأسف حكومات ما بعد الثورات العربية التي لم تكتمل وهي مهددة بالانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية.
أما الاستنكاف الشعبي عن التعبير الجمعي الفعال مساندة للأسرى في معركة يخوضونها ضد غطرسة القوة الإسرائيلية دفاعاً عنا جميعنا أوطاناً وشعوبا فهو الطامة الكبرى.
فلا داعي لقلق إسرائيل إذ لم يحرك نضال بطولي- يطالب بأدنى حقوق الإنسان الأسير- أعماقنا وهز وجداننا وحفزنا على التحرك?
المسألة معقدة ولها أسباب كثيرة : أولها بأن الكثير منا وصل إلى قناعة بأن إرادتنا وأقوالنا وأفعالنا لا تغير شيئاً, لأن إسرائيل قوية ومحمية علمياً ومدججة بترسانة عسكرية.
لكن إسرائيل, ويعرف ذلك أي متابع يومي لصحفها وتصريحات مسؤوليها, تهمها صورتها الإعلامية ورد فعل الشعب العربي, وحركات المناصرة الدولية للشعب الفلسطيني وترصد لمواجهة أي تحرك في أي منطقة في العالم أموالاً طائلة وتستعين بالخبراء والدراسات لمواجهتها.
سترتاح إسرائيل إذا توصلت إلى قناعة أن الشعوب العربية, خاصة في الدول المحيطة , أسقطت القضية الفلسطينية, وتاريخ عدوانها وواقعة, من الوجدان العربي- إما نتيجة شعور بالاستسلام أو اللامبالاة.
فالخطر الإسرائيلي لا يتهدد الشعب الفلسطيني فحسب بل المنطقة بأسرها, ونحن في الأردن أكثر من يتأثر بسياسات إسرائيل وأعمالها, ولا نستطيع أن نتعامل مع موضوع الأسرى وكأنه خارج نطاق حياتنا, فنتيجة معركة الأسرى ستنعكس علينا جميعاً ولا نستطيع إلا المشاركة فيها وإشعار إسرائيل بأنها قضيتنا جميعاً.
لكن المقلق في ضعف ردنا أن هناك فصلا ذهنيا ,حتى عند بعض النشطاء والمثقفين, بين النضال من أجل العدالة الاجتماعية والحريات ومسألة التحرر الوطني ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتهديده المباشر وغير المباشر على أوطاننا.
فالتيقظ لما تقوم به إسرائيل والتعبير عن رأينا الجمعي لا يقلل من قيمة أو أهمية الحراك الشعبي من استعادة مقدرات الوطن وإقامة مجتمع يصون الحريات والحقوق ويحترم التعددية.
إسرائيل يجب ان تفهم أن انشغال الشعوب العربية بنضالها من أجل حقوقها المدنية لا يعني استكانتها واحتلالها.
معركة الأسرى هي فرصتنا للمشاركة في مواجهة بطولية وضرورية, إن كان بالمشاركة بالاعتصامات, و الحملات الالكترونية, ليس فقط من أجل إنقاذ المقاومين عنا جميعاً, بل من أجل مستقبلنا جميعاً - فلا تدعوا إسرائيل تظن أن الشعب العربي قبل بظلمها وهيمنتها.
العرب اليوم