ضرورة كسب انحيازات اسرائيلية
حمادة فراعنة
23-10-2007 03:00 AM
سعى الفلسطينيون لمنع إقامة دولة يهودية في فلسطين وفق وعد بلفور البريطاني، وتطلعات الحركة الصهيونية، وفشلوا في ذلك، وعملوا على رمي اليهود إلى البحر وفشلوا في ذلك أيضاً سواء كان ذلك حقيقة أو أكذوبة إعلامية روجتها آلة الإعلام والحرب الإسرائيلي الصهيونية فقد أخفق الفلسطينيون في مواجهة المشروع الصهيوني الاسرائيلي ومحاولات افشاله ومنع تمدده وكبح توسعه على حسابهم وعلى أرض وطنهم!!وسعى الاسرائيليون لتصفية الفلسطينيين وطردهم من وطنهم وبيوتهم وارتكبوا المجازر المتتالية من أجل رؤية "أرض بلا شعب لشعب بلا وطن"، ولكنهم فشلوا في انهاء الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية سواء في مناطق الاحتلال الأولى عام 1948 أي في الجليل المثلث والنقب والمدن المختلطة، أو في مناطق الاحتلال الثانية عام 1967 أي في الضفة والقدس والقطاع، مثلما فشلوا في اسقاط هوية الفلسطينيين في المنافي والشتات وادماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها وتذويبهم، أو في تقليل اهتمامهم في العودة تحت ضغط الحياه وحاجتهم للقمة العيش والعمل والكرامة، في البلدان المختلفة وبقي الحلم مسكوناً داخل حياة الفلسطيني كما هي فلسطين، واقع وسياسة وعنوان.
على أرض فلسطين، اليوم، شعبان، الفلسطيني والاسرائيلي لم يستطع احدهما تصفية الآخر ولن يستطيع، ولا خيار أمامهما سوى التعايش وقبول الآخر من خلال واحد من خيارين: إما دولة ديمقراطية واحدة ثنائية القومية (العربية والعبرية) متعددة الديانات (مسلمين ومسيحيين ويهود) بهويتين فلسطينية واسرائيلية، الواقعة على كامل الأرض بين البحر المتوسط ونهر الأردن، أو تقاسم الأرض بينهما وفق قرارات الأمم المتحدة 181 و194 و242 و1397 و1515، واقامة دولتين متجاورتين تعيشان جنباً الى جنب، فلسطين واسرائيل.
في كلا الحالتين والخيارين، لا يستطيع الفلسطينيون تحقيق أمنهم واستقرارهم وعيشهم، بدون ايجاد شركاء اسرائيليين لهم يعملوا معهم من أجل انتزاع الدولة الديمقراطية الواحدة بهويتين ثنائية القومية متعددة الديانات، أو من أجل انتزاع دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام مع اسرائيل.
لقد أبرز المجلس الوطني الفلسطيني منذ دورته الثانية عشرة عام 1974، وصياغة برنامجه المرحلي آنذاك إلى أهمية تعميق العلاقات والتحالف مع القوى الديمقراطية والتقدمية الاسرائيلية المعادية للاحتلال والتوسع والاستيطان، والتي تعترف بحقوق الفلسطينيين المشروعة بما فيها حقه في اقامة الدولة المستقلة، وقد سقط جراء هذه السياسة وتفعيلها شهداء وقادة سياسيين أمثال عصام السرطاوي وعز الدين قلق وسعيد الحمامي وغيرهم برصاص أبو نضال وغيره بسبب فتحهم الحوار واختراق المجتمع الاسرائيلي ومحاولة كسب انحيازات اسرائيلية لعدالة القضية الفلسطينية ومشروعية نضال شعبها.
اليوم بات من الضروري إيلاء هذا الخيار أهمية أكثر من السابق، فقد تعزز الحضور الفلسطيني على الأرض الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو ونقل معركة الشعب الفلسطيني من المنفى إلى داخل الوطن،وبات مشروع الدولة المنشودة على الأبواب، مما يتطلب زيادة التأثير داخل مسامات المجتمع الاسرائيلي لصالح الاقرار بالانسحاب وازالة المستوطنات والتسليم بحق الفلسطينيين بالأراضي المحتلة عام 1967 على أن تكون متصلة وقابلة للحياة وفق تعبير الرئيس جورج بوش، وحق اللاجئين بالعودة إلى وطنهم واستعادة ممتلكاتهم في اسرائيل والتعويض عليهم على جرائم الطرد والأفقار التي تعرضوا لها وفق القرار 194.
لقد نجح ياسر عبد ربه والتحالف الفلسطيني من أجل السلام، نجح في شق الطريق مع شريكه الاسرائيلي يوسي بيلين وتوصلوا إلى اتفاق جنيف الذي خلق حالة من الجدل قائمة على الرفض والقبول لدى الفلسطينيين والاسرائيليين على السواء. مثلما نجح سري نسيبة مع شريكه عامي آيالون في نسج اتفاق سياسي مماثل، وكلاهما ارسى حاله من الانعتاق عن المفاهيم السابقة وفتح بوابة لاختراق المجتمع الاسرائيلي ووضع أرضيته للتعاون بين ممثلين للشعبين، ولكن في سياق الحالتين لم تتمكنا وحدهما من ايجاد التأثير الفلسطيني الكافي لخلق انحياز اسرائيلي مؤثر على مؤسسات صنع القرار، وهذا يتطلب ادوات جديدة واختراقات قوية لأن حقوق الفلسطينيين لن تلبي، وهزيمة التوسع والاستيطان الاسرائيلي لن تتحقق بدون اختراق المجتمع الاسرائيلي وكسب المزيد من الانحيازات الاسرائيلية لعدالة الحقوق والتطلعات الفلسطينية المشروعة.
* برلماني سابق.
hamadehfaraneh@yahoo.com