روسيا والمقاومة والممانعة!!
ياسر زعاتره
04-05-2012 11:01 PM
لا تكتفي الدبلوماسية الروسية برأسيها اللذين يتبادلان الأدوار في ما يشبه الديمقراطية “العالمثالثية”، لا تكتفي باستعداء العرب والمسلمين (الغالبية الساحقة منهم بتعبير أدق حتى لا يغضب مناصري نظام الأسد من الحزبيين والطائفيين)، وبالطبع بسبب انحيازها للنظام المجرم في دمشق، بل تضيف إلى ذلك استفزازا متواصلا للظاهرة الإسلامية بتجلياتها المختلفة، المعتدلة منها وغير المعتدلة.
بعد أسابيع من تصريح وزير الخارجية (لافروف) الجاهل والمستفز بخصوص التحذير من نشوء “نظام سني” على أنقاض نظام الأسد، في تجاهل لحقيقة الغالبية السنية الساحقة في سوريا، يأتي الرئيس مدفيديف ليضيف مزيدا من الاستفزاز لغالبية العرب والمسلمين. ففي مقابلة حية مع عدد من القنوات الروسية وصف الرجل الوضع في العالم العربي بأنه “مضطرب”، بسبب سعي “متطرفين للحكم في عدد من البلدان”، معتبرا أن “التعامل معهم سيكون أمرا عسيرا”.أما الأسوأ من ذلك فهو اعتباره أن “الربيع العربي ظاهرة عابرة تنتهي مع حلول خريف بارد في المنطقة”!!
وفيما قال مدفيديف إن روسيا “تريد تسويق منتجاتها المدنية والأسلحة وما تشتهر به في السوق العالمية في دول الشرق الأوسط”، فإن أحدا لا يفهم كيف يمكن الجمع بين استعداء الغالبية من الأمة، وبين تسويق المنتجات الروسية، اللهم إلا إذا اعتبرت موسكو أن استمرار الصراع في سوريا يمكن أن يستهلك المزيد من الأسلحة الروسية، أو لعله يلمح إلى إمكانية تغيير دولته لموقفها من الثورة السورية مقابل صفقات تجارية وعسكرية مع الدول العربية المعنية بتغيير ذلك الموقف.
والحال أن استخدام الثورة السورية في سياق إثبات الصعود الروسي في المشهد الدولي، ومعه الصعود الصيني لا يبدو مجديا بحال، ذلك أن الجميع يدركون أن التحدي الروسي في هذا الملف لا يأتي تبعا لحالة القوة الاستثنائية التي تعيشها روسيا ما بين موقفها من الثورة الليبية وبين موقفها من الثورة السورية، وإنما لأن أمريكا وعموم دول الغرب لا تبدو معنية بتغيير ذلك الموقف، بل لعلها تريد إطالة أمد المعركة من أجل تدمير مقدرات الدولة السورية لحساب الهواجس الإسرائيلية كما أشرنا غير مرة.
في هذا السياق نتذكر الكثير من المحطات التي أبدت فيها روسيا الكثير من التحدي للموقف الغربي، قبل أن تبيعه بصفقات سياسية تتعلق بمحيطها الإستراتيجي، فيما يتعلق بعضها الآخر بالسكوت على الممارسات غير الديمقراطية في الداخل الروسي، بينما كانت صفقات الصين محصورة في الغالب في مسألة تايوان والقضايا الاقتصادية.
من هنا، فإن ما تفعله روسيا لا يعدو أن يكون تحديا للأمة العربية والإسلامية أكثر منه أثباتا للفحولة السياسية في مواجهة الولايات المتحدة والغرب، وإن حضر البعد الأخير بهذا القدر أو ذاك. وهي بذلك تغامر بالحلول مكان واشنطن في سلم العداء في الوعي العربي والإسلامي، ربما بعد الكيان الصهيوني، ولا شك أن ذلك لا يشكل مصلحة لها بحال من الأحوال، فضلا عما ينطوي عليه من إشكالات فيما يتصل بعلاقاتها بمواطنيها المسلمين.
في ذات الصدد، وهذا البعد ينساه أنصار نظام الإجرام في دمشق، فإن المواقف الروسية من قضية الأمة المركزية (فلسطين)، لا تتغير في ظل نظام الثنائي (بوتين- مدفيديف)، بقدر ما تواصل انحيازها التقليدي للكيان الصهيوني كجزء من الرباعية الدولية، ولا تجرؤ على نصرة الفلسطينيين في مواجهة الاستيطان والتهويد، بل لا تجرؤ أيضا على مواجهة الاختراقات الإسرائيلية في دول آسيا الوسطى وعموم الفضاء الروسي التقليدي.
من المؤكد أن ضعف الوضع العربي المناصر لثورة الشعب السوري لم يشعر موسكو وبكين بما يمكن أن يترتب على ذلك الانحياز من تهديد لمصالحهما في المنطقة، لكن الدولتين الكبيرتين لا تقدران الأمر حق قدره، والسبب أن التطورات التي تعيشها المنطقة وحالة الفرز المذهبي القائمة ستحشر الدولتان في سياق لا يخدم مصالحهما، أقله في المدى المتوسط والبعيد.
من جانب آخر، فإن استبعاد العامل الإسرائيلي في الموقف الروسي تحديدا لا يبدو مقنعا، وبالطبع في سياق من إطالة أمد المعركة وتدمير مقدرات الدولة السورية، لاسيما أن من العبث الاعتقاد بأن موسكو مقتنعة بإمكانية بقاء الأسد بعد كل الذي جرى إلى الآن.
نشير إلى ذلك كله كي نؤكد أن النظر إلى الموقفين الروسي والصيني بروحية الحرص على المقاومة والممانعة إنما هو نوع من العمى الذي يصيب نخبا سياسية في عالمنا العربي، وهو العمى الذي ينسحب على المنظومة المذهبية التي تصطف إلى جانب الأسد، والتي تنسى أن خسارتها لغالبية الأمة هي الخسارة الحقيقية، أكثر من خسارة بشار الأسد، حتى لو كان ذخرا استراتيجيا لمشروعها “المغرور” ومعدوم الأفق في المنطقة.
الدستور