انشغالات اسلامية غير مبررة
حسين الرواشدة
04-05-2012 11:00 PM
أشعر – وغيري كثيرون – بالأسف والمرارة من هذا انشغال المسلمين بما لايلزم من القضايا الهامشية التي لا تضيف لأمتنا وهي تعاني ما تعانيه من ضعف وهوان الا ابوابا جديدة للفتنة والاختلاف ... وأكاد اجزم بأن وراء هذا الاجترار المقيت الذي يمارسه بعض(النخب) المحسوبة على الاسلام أياد خفية لاتريد لديننا خيرا ولا لأمتنا أن تتقدم خطوة الى الأمام .
على امتداد السنوات الماضية انشغلنا بالدفاع عن الاسلام ضد تهمة العنف والتشدد والغلو ، ولم يبق احد في بلادنا الاسلامية الا واستحضر كل ما يتضمنه ديننا من مواقف الاعتدال وقيم السماحة ، وكل ما اشتملت عليه تجربتنا التاريخية من اخلاقيات التعامل مع الاخر ، وفضائل لاعتراف به والتعايش معه وانصافه ، ولم يكن “مولد” الدفاع المستميت ينتهي حتى بدأت حملة الرد على من اساء للرسول عليه السلام في بعض العواصم الغربية ، حيث خرجت الشوارع الاسلامية غاضبة ومهددة بالمقاطعة تارة ومستخدمة العنف تارة ثالثة للتعبير عن موقفها من الحدث ,فيما لم يتردد علماؤنا عن اقامة المهرجانات الخطابية واثارة الحماسات الدينية لنصرة الرسول الاعظم عليه السلام ،وسط انقسام بين من يرى في الحوار مع المناخات المسيئة حلا وواجبا وبين من يرفض هذا الاتجاه على اعتبار انه تنازل لا مبرر له ولا جدوى له .
وبينما لم تنته مواسم النصرة بعد ,ولم يتسن للعقل المسلم ان يتساءل بدون انفعال : عما اذا كان المسلمون –لاغيرهم – هم اول من اساء لنبيهم ودينهم وقصروا اتجاههما قبل ان يفعل ذلك خصومهم ، وفيما اذا كان سوء الفهم الذي وصل الى اجيالنا والى الاخر ايضا على حد سواء هو النتيجة الطبيعية لفهمنا الخاطئ وممارستنا غير الصحيحة للاسلام ورسوله اكثر من يكون نتيجة “لمؤامرة” ما ،او لاهداف خبيثة يقف وراءها من يناصبنا العداء .. في هذه الاثناء ، لم نعدم من يدخلنا الى ساحات جديدة للفتنة والخلاف ، خذ مثلا: قضية الردة ، وحرية التبشير الديني في بلاد المسلمين التي اثيرت قبل سنوات ويجري اثارتها الان.والمسألة باختصار اثارتها الوثيقة التي كان وقعها الازهر مع أحد الكنائس حول حرية الانسان غير المسلم في التبشير بدينه في البلاد الاسلامية حيث اقر الجانبان هذه الحرية ، دون اشارة الى مسألة “الردة” التي يقررها الاسلام على من يشهر العودة عن دينه والدخول الى دين آخر..
بعض المحسوبين على خط الحداثة الاسلامية التقطوا الفكرة ، ووجدوا فيها مناسبة لتبيض صورة الاسلام ( على اعتبار انه متهم بالتشدد والتطرف والقمع ) فأفتوا انه لا عقوبة على المرتد وان الرسول عليه السلام لم يطبق حكم الردة على أحد ، فيما وقف اخرون على الطرف الآخر ، مستنكرين هذا التفريط في الدين ، ومؤكدين على خطورة القضية باعتبار ان الردة خروج على الصف ، وخيانه للدين ، ومقوض للمجتمع وأن حكمها في الاسلام ثابت ومقطوع به وضرورة ايضا .
بعد الثورات العربية ودخول بعض الحركات الاسلامية على خط(السلطة)تجدد النقاش حول قضايا هامشية اخرى،فمن قضية النائب الذي اجرى عملية تجميل ثم انكرها واقسم على ذلك ثم عاد واعتذر الى قضية مجامعة الزوجة الميتة(يا للخجل) الى صراعات الجماعة الاسلامية فيما بينها..انشغلنا للاسف في الهامش،وتوجه نقاشنا العام نحو تفاصيل وترت مزاجنا العام وقسمت مجتمعنا واتعبته.
لانريد ان ندخل في تفاصيل المواجهات الساخنة ، ولكننا امام حالة غريبة من انشغال المسلمين بقضايا لا يجوز نبشها أو تصديرها الى الشارع بهذه الصورة ، وأمام ردة فكرية وعقلية غير مفهومة ، لا في العرض والنقاش ولا في المعالجة والتوقيت ، وكل ما ندعواليه ان يسارع علماؤنا ونخبنا السياسية الى طي هذه الصفحات البائسة وأن ينتبهوا لمآلاتها الخطيرة ، وان ينشغلوا بما يحتاجه المسلمون فعلا من ملفات واولويات .. فلو كان رسول الله عليه السلام بيننا لكان اهتمامه بمواجهة قضايا الفساد والتخلف واغتصاب ارض المسلمين والاساءة لمقدساتهم وبقضايا الحرية والعدالة اكبر من رد ما يوجه اليه من اساءات عابرة .. واكبر مما يشغلنا من فتاوى وخلافات هامشية.
الدستور