مشاهدات من مشاورات الرئيس المكلف مع النواب .. إلى الخلف در!
جهاد المنسي
02-05-2012 04:33 PM
تشير التوقعات إلى أن يؤدي الرئيس المكلف فايز الطراونة اليوم اليمين الدستورية أمام جلالة الملك، وأنه سيقدم حكومة "رشيقة"، يتم فيها دمج عدد من الوزارات، وإسناد أكثر من حقيبة وزارية للوزير الواحد.
كما تشير التوقعات إلى أن الرئيس المكلف سيتقدم ببيانه الوزاري إلى مجلس النواب يوم الأربعاء المقبل، أو الأحد الذي يليه على أبعد تقدير، بحيث يشرع المجلس في مناقشته يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، والخميس إذا استلزم الأمر.
وتشي التوقعات بأن الطراونة لن يذهب بعيدا عن الصحن الذي اعتاد أسلافه، وهو أيضا في حكومته السابقة، "التغميس" منه، وأن أغلب وزرائه سيكونون من ضمن الوزراء المجربين.
كل هذه توقعات سيبطل مفعولها عند لحظة إعلان الطراونة عن تشكيلة حكومته، ورفعها إلى جلالة الملك للمصادقة عليها، ورد الرئيس على كتاب تكليفه. وقت ذاك، يتسنى للمتابعين والمراقبين معرفة عدد الوزراء في الحكومة وتوزيعها جغرافيا وديمغرافيا، وتركيبتها، وطريقة التوزير، وكم وزيرا عاد من الحكومة السابقة، وكم شخصا دخل الحكومة الجديدة ولم يسبق له أن حمل لقب معالي.
بعد ذلك، سيكون المجال أوسع لمعرفة مدى قدرة الحكومة على السير في طريق الإصلاح الذي رسمه لها جلالة الملك في كتاب التكليف، ومدى قدرة الفريق الوزاري على مساعدة الرئيس في تحقيق الهدف الذي وضعه الملك لهم.
الرئيس المكلف باح ببعض ما عنده، عندما أمضى سحابة يوم كامل (الأحد) في مجلس النواب، وقبله التقى برئيس مجلسي الأعيان والنواب في منزليهما. ثم تبع ذلك يوم الاثنين بلقاء مع أعضاء المكتب الدائم في مجلسي الأعيان والنواب، وهناك قدم صورة يمكن البناء عليها في طريقة تفكيره، وعنوان مرحلته.
الطراونة، قال إنه لن يسحب قانون الانتخاب من مجلس النواب، وأنه لا يجوز لأحد أن يعلن من الدوار الرابع! أن الصوت الواحد "دفن". واعتبر أن الحديث الملكي عن انتخابات نيابية هذا العام توجيه، ولكن الملك دستوري، ويمكن أن تأتي الهيئة المستقلة للانتخابات لتقول إنها لا تستطيع أن تجري الانتخابات هذا العام: "جلالة الملك وجه الحكومة لإجراء الانتخابات خلال العام الحالي. وحينما يدعو جلالته لإجراء الانتخابات هذا العام، فهذا موقفه، والملك حامي الدستور، وإجراء الانتخابات بحاجة إلى إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات، وأن تكون الهيئة مكتملة وقادرة على إدارة الانتخابات، كما أن الانتخابات النيابية تحتاج إلى قانون انتخاب (...) لست محكوماً بشهرين أو ثلاثة لفترة رئاسة الحكومة، وإن الأمر ليس بيدي، وإنما بيد مجلس النواب صاحب الولاية في إقرار قانون الانتخاب".
هذا يعني أن الطراونة وضع اللبنة الأولى لإمكانية عدم إجراء انتخابات نهاية هذا العام بحجة أن الهيئة المستقلة غير جاهزة، وأن قانون الانتخاب عند النواب وهم أصحاب الولاية في ذلك.
والرئيس المكلف لم يبدِ حماسة للقاء الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، والحراكات الشعبية. وأغلب الظن أنه لا توجد في مخيلته فكرة أن يبادر هو إلى طلب لقاءات مع تلك الجهات، وسيعتمد على قاعدة من يريد محاورة الحكومة فليطلب موعدا ومن ثم نلتقي.
كل ذلك قاله الرئيس المكلف في مجلس النواب. وهنا يمكن أن يقول البعض: ماذا تريد من رئيس يحاور نوابا يعرف أنه سيعود إليهم بعد 10 أيام لطلب الثقة؟ هل سيقول لهم إنكم في "أشهر العدة"، بعد طلاقكم البائن بينونة كبرى؟ فهو بحاجة إلى الثقة، وعليه أن يتحدث معهم في الحد الأدنى من السوداوية التي يشعر بها النواب، مع محاولة فتح طاقات ضوء عندهم.
وسيخرج أيضا من يدافع عن الرئيس ليقول إن كتاب تكليفه واضح لا لبس فيه، وكل ما سيقال خلاف ذلك سيكون من باب حشد التأييد النيابي له، وعدم اعتراض مركب سفينته في رحلتها القصيرة.
وهناك من سيقول إن الطراونة، بما هو معروف عنه سابقا، لا يحيد عما يريده جلالة الملك قيد أنملة، وسيقوم بتنفيذ ذلك حرفيا؛ بمعنى أنه سيقوم بإنهاء قانون الانتخاب، بالتعاون مع النواب، وسيرفع أسماء المرشحين للهيئة المشرفة على الانتخابات سريعا، وسيبتعد عن المناكفات مع دوائر صنع القرار، أي إنه سيساهم في تهدئه حركة الشد التي حصلت مؤخرا.
نعم، هذا صحيح، كما أن الصحيح أيضا أن الرئيس محافظ؛ فهو يؤمن بالصوت الواحد قلبا وقالبا، ويعتبره جيدا وإيجابيا، ولذلك لا يريد سحب مشروع قانون الانتخاب من مجلس النواب لأنه يعرف أن المجلس يميل إلى الصوت الواحد، وأن النواب أنفسهم سيعملون على إدخال تعديلات على مشروع القانون بالاتجاه الذي يرضي الرئيس.
في ضوء ذلك، لماذا يرهق الرئيس نفسه، ويرهق حكومته في موضوع انتهت الحكومة السابقة منه، وهو يعرف بوضوح أن المجلس يميل إلى ما يميل له، فلم الجلبة؟
كما أن الرئيس غير متشجع للتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات، ولذا لم يخرج من فمه خلال تصريحاته المقتضبة ما يشير إلى رغبته الالتقاء بها.
كل ما سبق يؤشر إلى وضع غير مريح لمرحلة مقبلة، ويعطينا صورة عنها أكثر وضوحا، وأنه يمكن أن نقف عند ما وصلنا إليه، وربما لاحقا نقرر العودة، ومراجعة الخيارات التي سبق التوافق عليها، مثل قانون الانتخاب، والقوانين الأخرى.
فما معنى كلام الرئيس أننا لم ندفن الصوت الواحد، وأجهزة الدولة "طبلت وهللت" لمشروع القانون الحالي باعتباره "دفن" الصوت الواحد الذي قسم الأردنيين كما أجمعت المعارضة والنواب ومؤسسات المجتمع المدني وأحزاب الوسط والكتاب؟
المؤمل أن يخيب الرئيس المكلف كل تلك التوقعات، ويؤكد أن الإصلاح الأردني يسير بخطة إلى الأمام، وأننا فعلا قررنا دفن الصوت الواحد إلى الأبد، وأننا أيضا نريد دولة مؤسسات وقانون ومواطنة؛ دولة مدنية. ونريد ساسة يتعاملون مع عمان كعاصمة، للحكم والسلطة والتشريع، وليس موطنا للنخب فقط، تهاجم كلما وقع "الكوز في الجرة".
ان الاّراء المذكورة هنا تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولاتعبر بالضرورة عن اراء جريدة
الصبر ثم الصبر ثم الصبر (اردني بفكر حاله بفهم بالديموقراطيه - الأردن)
jordanian1964@hotmail.com
الغد