المؤشرات الأولية لتصريحات رئيس الوزراء المكلف فايز الطراونة، تعزّز القناعة بأنّ تحولاً جوهرياً يحدث في النوايا الرسمية تجاه الإصلاح السياسي، جوهره انتصار الحرس القديم والتيار المحافظ في فرملة المسار الإصلاحي، والعودة إلى "الحسابات التقليدية"!
مفتاح إدراك هذا التوجه يتمثّل في قانون الانتخاب؛ إذ تشي التصريحات بالعودة إلى نظام الصوت الواحد، أو الالتزام بالمشروع الذي قدّمته حكومة عون الخصاونة، وغض الطرف تماماً عن السيناريوهات السابقة التي جرى التوافق عليها، سواء من قبل لجنة الحوار الوطني أو حتى مشروع حكومة معروف البخيت.
بالرغم من ذلك، فالخط الجديد يبدو في الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام، مع قانون انتخاب يبقي المعارضة دون القدرة على تحقيق مكاسب سياسية كبيرة، وعبور المرحلة الانتقالية من دون هزات سياسية عنيفة، بانتظار ما ستسفر عنه المتغيرات الإقليمية المحيطة.
يتأسس هذا الاتجاه مع تشكل أربعة رهانات متوازية ومتكاملة: الأول، استمرار النظام السوري وبقاؤه؛ الثاني، تراجع الاندفاع الأميركي خلف مشروع الإصلاح في الأردن لصالح عامل الاستقرار السياسي؛ الثالث، تضعضع مشروعية الربيع الديمقراطي العربي تحت وطأة الصعود الإسلامي والأزمات الاقتصادية؛ وأخيراً، عدم وجود توافق سياسي شعبي داخلي على أولويات الإصلاح السياسي في الأردن.
ليست جميع هذه الرهانات دقيقة. إنما ما يجدر الوقوف عنده هو الرهان الأخير، الخاطئ تماماً. إذ يفترض أنّ "الشرق أردنيين" يتخوّفون من الإصلاح السياسي، أو يفضّلون قانون الصوت الواحد. وهي مسألة بحاجة إلى نقاش معمّق وكبير، لكن يكفي النظر إلى أنّ "التململ" يأتي اليوم من المحافظات التي تتزاوج فيها الأزمة الاقتصادية مع مشاعر الحرمان الاجتماعي مع القناعة بضرورة الإصلاح السياسي.
ما يعزّز القناعة بتغيير الاتجاه هو المقال الأخير للمدير التنفيذي لمعهد دراسات الشرق الأدنى في واشنطن روبرت ساتلوف، الذي عاد مؤخراً من زيارة إلى عمان، وقدم قبل المقال تقريراً حول زيارته للمنطقة، فيه أخطاء ومغالطات كبيرة، بل وإساءة ضمنية لـ"الشرق أردنيين" ولموقفهم من الإصلاح السياسي. وهو يستسلم للرؤية التقليدية السطحية لتغول "حماس" على الحركة الإسلامية، دون الأخذ بعين الاعتبارات المتغيرات الكبرى التي حدثت، أو النظر إلى "المياه" التي جرت تحت الأقدام!
رؤية ساتلوف جاءت مستسلمة للمنظور التقليدي لليمين الأميركي، لكن أهم ما فيها أنّها تدعو الإدارة الأميركية إلى عدم الضغط على الأردن في موضوع الإصلاح السياسي، والاكتفاء بما يتم إنجازه، وتقدير الظرف الراهن. وهي "توصية" مسكونة برؤية الرجل المعادية بشدة للإسلاميين عموماً!
أيّا كانت توصية ساتلوف، فقد بات معروفاً أنّ الإدارة الأميركية ليست معنية اليوم بأي ضغوط على الأردن في ملف الإصلاح السياسي. وهذا أمر لا يجوز أن يعني لنا شيئاً، إذ الرهان كل الرهان هو على أهمية الإصلاح، بل ضرورته، داخلياً، وليس خارجياً!
الأصل أن تكون عيننا على الداخل؛ المجتمع والجامعات والحوار الوطني والوحدة الوطنية، وتصليب الجبهة الداخلية، فهنا تحديداً يرسم المستقبل، وأن لا نكتفي بمنطق الإدارة اليومية للأزمة السياسية والاقتصادية، فنحن من يدفع كلفة قانون الصوت الواحد وغياب الإصلاح ونمو الهويات الفرعية والعنف الاجتماعي والجامعي، وكلها نتائج ومخرجات للأزمة السياسية، وتتطلب مشروعاً للإصلاح السياسي لإعادة تعريف رسالة الدولة ومشروعها في المستقبل.
الغد