يكتب الروائي التشيكي الشهير ميلان كونديرا في روايته "البطء" قصتي حب تجري أحداث أولاهما في القرن السابع عشر, والثانية في زمننا المعاصر, لكنهما وقعتا في المكان عينه, معيداً طرح أهم التساؤلات الوجودية حول السرعة والبطء.
امتداح البطء هو مفتتح كونديرا, متسائلاً: "لماذا اختفت متعة البطء? وأين هم متسكعو الزمن الغابر? أين أبطال الأغاني الشعبية الكسالى, هؤلاء المشردون الذين يتسكعون من طاحونة إلى أخرى وينامون تحت أجمل نجمة? هل اختفوا باختفاء الدروب الريفية والحقول والغابات والطبيعة?".
اختفاء يعقد كونديرا من أجله مقارنات جذابة بين الحب في زمني البطء والسرعة; سواء في تفاصيل العلاقة, والشغف بين الحبيبين, وقصص الخيانة وإيقاع حدوثها, وصولاً إلى جوهر العشق ولذته البطيئة.
الحب يقود إلى مقاربات خطيرة في زمن السرعة الذي يدفع العالم بأسره إلى الهاوية, ويفقده المتعة كلما تسارع الزمن, فدرجة البطء تتناسب طردياً مع قوة الذاكرة, ودرجة السرعة تتناسب طردياً مع قوة النسيان, كما لخصها أحد الكتّاب.
وليس بعيداً عن الحب تبدو السياسة, في زمن السرعة, لدى كونديرا, تهريجاً إعلامياً أو تشبه أداء ممثل فاشل مغرور, مثلما الراقص, الذي يكرس عمله لإبراز نفسه, فالجوهر الحقيقي للرقص هو إثارة المشاعر وإبهار الناس.
وبمعدلات التسارع يمكن قراءة التاريخ الإنساني, الذي تتزايد فيه نسبة حوادث السير, والجرائم, وحالات الانفصال بين الأزواج والمتحابين, وتشكيل الحكومات ورحيلها, وظهور الأغاني الخفيفة واختفائها, ونشر أخبار المشاهير ثم نفيها لاحقاً..
قراءة "البطء" مجرد استعارة من عالم الأدب لقراءة تصريحات رئيس الحكومة فايز الطراونة, أمس الأول, حول قانون الانتخاب والهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات, لعلنا نفهم رؤية الحكومة, والمدى المنظور لتطبيق برنامجها.
يقول الطراونة - لا كونديرا - "نحن نريد السرعة وليس التسريع والسرعة ليست على حساب النوعية, لسنا في حالة تسارع ولكن لا نريد الابطاء لأننا في مرحلة جديدة من أجل التمهيد لمرحلة الحكومات البرلمانية" .
تأمْل "البطء", ربما, حالَ دون فوز كونديرا بـ "نوبل", و"سرعة" الطراونة قد لا يلحظها أحد إذا كانت المرحلة الجديدة لـ "التمهيد", فقط, على حد قوله وقول سلفه أيضا.
mahmoud1st@hotmail.com
العرب اليوم