لا زلت أذكر تعليق ظريف قرأته ونقش بذاكرتي في جريدة العربي الناصري قبل أكثر من عشرة أعوام بمناسبة عيد العمال ، يقول فيه (( في عيد العمال الكل يرتاح إلا العمال ، وأبناء كبار المسئولين العماليين للأسف يشربون الكوكا كولا وأبناء العمال يجمعون الفارغ منها لبيعها والتكسب ولو بالرمق)) تذكرت هذا التعليق بالأول من أيار والعالم يحتفل بهذا اليوم التاريخي في ظل هجمة امبريالية غير مسبوقة على العمال ومكتسباتهم تحت شعارات اللصلصة عفوا الخصخصة والعولمة وبيع القطاع العام حيث تسريح ملايين العمال من عملهم في كل دول العالم و أصبح الأول من أيار عيد العمال اسما بلا مضمون وهو اليوم الذي أجمعت عليه البشرية ليكون تكريما لهذه الطبقة التي تعطي وتقدم وتدفع عملية الإنتاج في بلدانها .

لذلك يأتي الأول من أيار هذا العام حزينا وكئيبا وهو يشهد آهات ملايين العمال المسرحين من أعمالهم وسط هيمنة امبريالية صهيونية على العالم بمحاولة احتكاره لمصلحة فئة 10% في كل بلدان العالم .

وإذا نحتفل اليوم بالأول من أيار الذي أصبح يوما لا طعما له ، وهو مناسبة للأسف لترفيه طبقة 10% من الامبرياليين وعملائهم في بلدان العالم الذين يحتفلون ويسهرون لشرب أنخاب نجاحهم المؤقت وليس بعيد العمال ، بعد أن كانوا سببا في مآسي العمال ، يأتي هذا اليوم والمناسبة المجيدة مهما أفرغت من مضمونها في ظل الغياب الكامل للأحزاب اليسارية التي خانت طبقتها وتنكرت لحقوق العمال التي قامت على أساسه ولا سيما في وطننا العربي الذي تشهد حركة اليسار بكل مكوناتها غيابا كاملا يكاد أن يصل للموت ألسريري بكل أسف ولم يبقى من ذلك اليسار إلا لافتات بلا مضمون وأحزاب مجرد ديكورات للسلطات المستبدة في وطننا العربي وعلى رأسها دولتنا الأردنية التي نرى بها موتا سريريا لليسار وأحزابه مقابل نشاط لقوى المال والعمال وعلى رأسه الحركة الإسلامية التي تحالفت مع السلطة الفاسدة والنتيجة بيع مؤسسات الوطن الناجحة قبل الفاشلة ورفع الأسعار حتى أصبحت المعيشة لا تطاق والضحية هي الطبقة العاملة التي تعيش اليوم أسوأ مراحلها التاريخية ولكن حتى الرأس مالية تعيش أيضا أزمة مخاض ، ورأينا تراجع قياداتها ورموزها الفكرية وسقوط بعضهم ،وبعد كتاب (( نهاية التاريخ )) للمفكر ألأمريكي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما وكتاب ((صراع الحضارات)) لـ صموئيل هنتجون ، تراجع الأول فوكوياما عن أرائه وقال أن التاريخ لن تكتب نهايته وتقديرنا كان خاطئا أما الثاني فهو يعتبر إنجيل المحافظين الجدد الذين تساقطوا حتى في وطنهم أمريكا الواحد تلو الآخر بجرائم أخلاقية ومالية يندى لها الجبين حتى وصل ألأمر أن يصل للبيت الأسود بواشنطن الذي يسمونه أبيضا شخصا من خارج الصورة اسمه ( باراك أوباما ) .

واليوم صورة الامبريالية الأمريكية تغني عن أي كلام وتحقق ما قاله المفكر الكبير كارول ماركوس أن الامبريالية ستأكل بعضها البعض بحكم الصراع الطبقي الموجود ، انظروا ما حدث لشركات أمريكية وأوروبية عملاقة وكيف أعلنت إفلاسها المادي وكانت الضحية الأولى كالعادة هم العمال بل وانظروا لقلعة الرأسمالية ذاتها أمريكا التي هي على وشك الانهيار والتفكك وبطريقة أكثر مأساوية من انهيار الاتحاد السوفيتي الذي وصفوه بدولة العمال الأولى وكان ذلك غير صحيح للأسف .

عيد العمال الأول من أيار يتطلب منا اليوم إعادة النظر في السياسات وعدم السكوت لما يحدث من بيع لمؤسساتنا الوطنية ، والأول من أيار معنى رمزي أجمعت عليه البشرية ليكون تكريما لهذه الفئة التي هي أكثر الفئات عملا وإنتاجا ومساهمة في تقدم البشرية ، كما هي أكثر الفئات تضررا من السياسات الراهنة التي تريد أن نكون مواطنون بلا مواطنة ووطن بلا هوية حتى عدنا لعصر ما قبل الإقطاع ، لذلك المهمة صعبة وجسيمة وتتطلب لنضال حقيقي وإفراز القيادات العمالية الحقيقية وليس الحنجورية لنعيد للأول من أيار معناه الحقيقي .

وبعد تقول المناضلة الألمانية لورا لكسمبورغ ، أن العالم اليوم أمام طريقان لا ثالث لهما الاشتراكية بمفهومها الإنساني الواسع أو الدمار والخراب الذي تقوده الرأسمالية المتوحشة ، عاش الأول من أيار عاش عيد العمال ولا صمت بعد اليوم .


alrajeh66@yahoo.com