رجائي قواس والتفكير الوقوفي *مروان الحسيني
30-04-2012 03:25 PM
رجائي قواس فنان كوميدي أردني متميز وبارع في ما يسمى الكوميديا المباشرة أو "الكوميديا وقوفاً" (Stand-up Comedy). إنه محترف ومفاجىء ومرتبط بالمواضيع ذات الأهمية الكبيرة للشباب والمجتمع. كما أنه جريء في نقده للمظاهر والسلوكيات السلبية. نكاته مضحكة جداً ومشاهده الكوميدية مدروسة ومؤداة بعناية. وهو يختار جمله بأسلوب ذكي.
ولرجائي قواس حضور قوي على شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر واليوتيوب وشبكات الإعلام الأخرى. ويحظى بالآلاف من المعجبين والمتابعين والمعلقين. مشاهده المصوّرة وتدويناته وصوره وطرائفه تنتشر بشكل واسع بين عدد لا بأس به من الشباب الأردني وغيرهم.
بكلمات بسيطة، يمثّل رجائي قواس نجاحاً أردنياً؛ فهو نموذج على إنجاز فني تكنولوجي معاصر. ولكنه ليس ناجحاً لمجرّد أنه طريف أو ذو حضور إلكتروني. أفضل جملة يمكننا أن نصف بها سحره وإبداعه هي "إنه يجعلنا نضحك". الضحكات الصادقة العفوية تنبثق من واقعنا الذي ينجح رجائي في تحويله إلى معالجة طريفة ومباشرة وبسيطة.
أما ما لا يعتبر طريفاً ونشهده بكثرة هذه الأيام في الأردن والفضاء العربي فيأتي ممن أسميهم: "السياسيون المباشرون" أو "السياسيون الوقوفيون" (أي: على الواقف). إنهم مجموعة من الأشخاص ذوي الحضور عبر الشبكات الإلكترونية ويدعون أنفسهم سياسيين ومحللين وخبراء، ولهم تماس جيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، فإنهم لا يرتبطون بمجتمعاتهم وقضايا مواطنيهم. بدلاً من ذلك، تقودهم مصالحهم الشخصية على حساب الصالح العام.
إن السياسي المباشر، أو السياسي "الوقوفي" (على الواقف)، بخلاف الفنان الكوميدي المباشر، يسعى إلى نشر نفسه وصوره واسمه بغض النظر عن المحتوى الذي تحمله هذه العلامات الشخصية. فأي مايكروفون وأي منبر يناسبه، مهما كانت المناسبة أو الموضوع الذي تتم مناقشته. هو نفسه موضوع أجندته وهدفها، أما المكان والزمان والموضوع المطروح فهي أمور هامشية بالنسبة إليه.
لقد عقدت هذه المقارنة كي أؤشر على بنية خطيرة وشائعة من بُنى التفكير لا تتوقف عن إنتاج تيارات وتوجهات مضرة وغير علمية ولا تستند إلى الحقائق، والتي تضلل الرأي العام في العالم العربي. وعلى الرغم من هذا التأثير الضار، فإن هذه البنية تجد دائماً البيئة المناسبة لنموها وتناسلها في ميادين مختلفة، سواء في عالم السياسة أو الأديان أو الاقتصاد أو الإعلام أو الحكومة أو القطاع الخاص أو المجتمع المدني أو حتى قطاع التعليم.
إن التفكير الوقوفي (أو على الواقف) هو فيروس ملعون لا يزال يصيب العقل الجمعي لتركيباتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على الرغم من أن العلاج معروف وواضح. العلم والمنطق والبحث والمعايير والإجراءات المدروسة والعلمية هي جزء من عملية التعافي، ضمن اعتبارات أخرى عديدة. ففي عام 2012، يجب أن يتم رفض بنية التفكير الميثولوجية الخُرافية التي تقبل بالتفسير الميتافيزيقي الماورائي للحياة اليومية، في سباقنا نحو الحريات الشخصية والمواطنة وحكم القانون. كما أن القرارات أو القوانين السياسية والاقتصادية غير المستندة إلى الحقائق والدراسات العلمية والمعرفية يجب أن تكون أمراً يخص الماضي فقط، إذا أردنا، كأفراد، أن نشارك في عمليات وحركات الإصلاح الجارية. علينا أن نرفض أسلوب التصريحات والمحاضرات والندوات ذات صبغة الدردشة الوقوفية (أو على الواقف)، أي الجاهلة وغير المستندة إلى المعرفة والحقيقة. وعلينا ألا نُبدي أي دعم لـ "أبطالها" الذين يسعون فقط إلى الترويج لأنفسهم.
ثمة حاجة ماسة، من جانبنا كأفراد وأعضاء في المجتمع الأوسع، إلى الوقوف في وجه جميع أنواع السطحية المباشرة "الوقوفية"، باستثناء الكوميديا المباشرة طبعاً. فالسياسات "الوقوفية"، والأحزاب "الوقوفية" وحتى مراكز الدراسات والبحوث "الوقوفية" ستقود مجتمعاتنا ومختلف بُنى دولنا إلى مزيد من حالات التدهور والتراجع والانهيار.
يجعلني رجائي قواس أضحك، أما الآخرون في هذه المقارنة فيدفعونني إلى البكاء.