موريتانيا رائدة العرب في الحريات والديمقراطية
باتر محمد وردم
22-10-2007 03:00 AM
بشكل غريب أخطأت معظم الصحف الأردنية والعربية في تحليل نتائج مؤشر الحريات الصحافية العالمي الذي أعلنته منظمة "مراسلون بلا حدود" بالنسبة لتقييم الدول العربية. فقد اتفقت الصحف على إختيار الكويت والتي جاءت في المركز 63 في مقدمة الدول العربية علما بأن الدولة العربية الأفضل كانت موريتانيا في المركز 50 وهي أول دولة عربية تخترق حاجز الخمسين الأوائل.
لا نلوم غالبية وسائل الإعلام والسياسيين العرب لأن البعض يريد أن ينسى بأن موريتانيا دولة عربية لأنها مثال لا يجب الاحتذاء به بعد أن حققت أول انتخابات رئاسية حرة شهدت نقلا للسلطة وكانت الأفضل عربيا في سياق الحريات الإعلامية وهي بالتالي خرجت عن الإجماع العربي وتستحق العقاب بواسطة التجاهل.
ترتيب الأردن جاء في المركز 122 دوليا والسابع عربيا وهذا شيء مؤسف لدولة تخاطب العالم يوميا بمصطلحات الحداثة والديمقراطية وحرية الإعلام وتملك عراقة وخبرة إعلامية كبيرة. ومما يزيد الأمور سوءا أنه في المرتبة 121 اي قبل الأردن بموقع جاءت سيراليون التي تحطمها الحرب الأهلية وفي المركز 110 جاءت قيرغزستان والتي هزمتنا في كرة القدم ايضا ، وفي مواقع أفضل منا تأتي دول متأخرة في الكثير من مجالات التنمية مثل غينيا وجواتيمالا وليسوتو وأوغندا وساحل العاج وأنجولا ومالاوي والنيجر وليبيريا.
مؤشر الحريات الصحافية يختلف في ترتيبه عن كل مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية في العالم ، فالدول العربية في مؤشر الحريات الإعلامية تأتي خلف الدول الافريقية ومعظم دول أميركا اللاتينية وآسيا وهو إثبات آخر على أن التنمية الاقتصادية في العالم العربي خاصة في الدول الثرية لم تترافق أبدا مع التنمية السياسية والحريات العامة بدليل أن الدول الافريقية واللاتينية الفقيرة تأتي أعلى في ترتيب الحريات الإعلامية من الدول النفطية الغنية.
ربما نكون في الأردن نعاني من "الوعود غير المكتملة" حول الديمقراطية وحريات الإعلام ومن العوائق التشريعية والمؤسسية التي تمنع التطور نحو ممارسات إعلامية منفتحة ، ولكن المعاناة تكون أكبر في دول عربية أخرى لا تملك حتى الحد الأدنى من حرية التعبير. ولكن هذه التمايزات النسبية لا تعطي أفضلية لدولة على أخرى ، لأن الخطاب الذي تطرحه كل الدول العربية سواء أكثرها ديمقراطية وأقلها تقبلا للرأي الآخر تشترك كلها في إدعاء الكمال وتطوير النماذج الدولية وليس فقط العربية ، ولكن الحقيقة تكشفها المؤشرات الدولية المستقلة والمعتمدة على الملاحظات والمشاهدات ومفادها أن الدول العربية لا زالت متأخرة تماما في هذا السياق.
اقل الدول العربية ضجيجا حول الحريات والديمقراطية هي أكثرها ممارسة لها. موريتانيا لا تريد مقاومة الإمبريالية والصهيونية ولا اجتراح المعجزات الهندسية يوميا ولا ادعاء الريادة في التنمية والحداثة ولا تتباهى بحجم السكان ولا تعمل على توريد إيديولوجيا بلون معين ولكنها دولة محدودة الموارد تحاول الخروج من اسر الفقر والظلم والتجاهل وتبني لنفسها مستقبلا من خلال ممارسة حقيقية لأبجديات الديمقراطية وقد حققت نجاحا على كل الدول العربية في سياق الانتخابات الحرة والإعلام الحر ، وهذه تهنئة منا إلى كل مواطن موريتاني قد يكون ليس أفضل العرب حالا من الناحية المادية ولكنه أكثرهم فخرا بحرياته.
batir@nets.jo