حتى ينجح الرئيس الطراونة ..
موسى الصبيحي
29-04-2012 03:47 AM
ليس أمراً جديداً أن يُخفق رئيس وزراء أردني في عين الشعب والملك، مع حقه في أن يرى نفسه ناجحاً تماماً، ففي سجل نادي رؤساء حكومات المملكة العديد من الرؤساء الذين لم يتمكنوا من إحراز النجاح المأمول، بل ربما لم يتمكنوا من تحقيق الحدّ الأدنى من المطلوب منهم، ومع ذلك علينا أن نؤكد بأن نجاح الحكومات والرؤساء نجاح نسبي، فليس هنالك فشل كامل وبالمقابل ليس هناك نجاح كامل، ولأن آلية تشكيل الحكومات غير ديمقراطية، فإن كل حكومة تأتي لتنفيذ مهام محددة ثم تنصرف، وبعضها تأتي كحكومة تصريف أعمال ليس إلاّ، وإذا أخفقت حكومة ما في تنفيذ ما جاءت من أجله، وتم تحديده في خطاب التكليف الملكي، فإنها لا بد راحلة، وكثرة الحكومات وسرعة تغيّرها يعتمد على تزاحم المهمات، واختناق الأولويات، وأحياناً وقوع الأزمات التي عادة ما تكون هي سبب وقوعها، حتى بتنا نشهد رحيلاً مستمراً لأسباب تتعلق في معظمها بالإخفاق في تحقيق الإنجاز المطلوب نوعاً أو كمّاً أو كليهما أو بخلق الأزمات..!!
هذه الحقيقة يجب أن لا تغيب عن ذهن الرئيس الجديد، الذي نتمنى أن يكون قد التقط الإشارات الملكية الذكية التي زخرت بها رسالة قبول استقالة الرئيس الخصاونة، وفي الوقت ذاته أن يكون قد التقط بعض الإيحاءات التي حاول الخصاونة إيصالها للشعب والملك والسلطات المختلفة، ففي تقديري أن الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الحكومة السابقة أنها لم تدرك أولوياتها جيداً، مما فوّت عليها الوقت والفرصة، ودخلت في مهام ليست ذات أولوية في عملها خلال الفترة الماضية، ومع يقيني بأن الرئيس الخصاونة على درجة عالية من الكفاءة والقدرة والحكمة والتوازن، إلاّ أنه لم يستطع ترتيب أولويات حكومته بشكل محكم وحاسم، الأمر الذي أدى إلى تخبّط واضح في بعض القرارات والبرامج، ما أدى إلى إدخال البلد في أزمات حادّة مكلفة، أشغلت الحكومة طوال الفترة القصيرة الماضية، وأسهت في قصف عمرها مبكراً..!!
نُنبّه الرئيس الجديد إلى أمور أساسية: أهمها أن لا يغادر تفكيره أن حكومته وإن كانت مؤقتة و"انتقالية" إلاّ أنها ذات مهمة حسّاسة، وعليها أن تنجزها بكفاءة وحياد. كما أن عليه أن يختار فريقه الوزاري بعناية فائقة، وأن يستبعد إعادة أولئك الوزراء الذين أشعلوا الأزمات واستفزّوا الناس من الحكومة السابقة، ولم يراعوا المسؤولية والمهمة التي جاءوا لإنجازها، فكانوا عبئاً ثقيلاً على الرئيس السابق، وأدت القرارات والبرامج المجتزأة وغير الناضجة التي نفّذوها، بسوء تقديرهم وضعف كفاءتهم، إلى إشغال الحكومة بإطفاء أزمات كثيرة وبكلفة عالية على الوطن..!! كما ننبه الرئيس إلى أهمية أن تكون حكومته رشيقة، فلا ضرورة لحكومة يزيد عدد أعضائها على (16) وزيراً في هذه المرحلة، وننبهه، وهو الذي لم ترحّب بمقدمه شرائح وأطياف شعبية وحزبية مختلفة، إلى ضرورة العمل على ترطيب الأجواء بينه وبين مختلف الشرائح والأطياف المجتمعية والسياسية، وفي الوقت ذاته إيلاء معضلتي الفقر والبطالة الأهمية الكبرى اللتين تستحقهما، ولعل في فكرة صندوق تنمية المحافظات ما يمكن أن يشكّل منطلقاً لتطوير برامج عملية ناجعة لتشغيل الأردنيين ومحاربة الفقر في المجتمع وحصاره.. وعلى الحكومة أن تعمل على إشراك مختلف مؤسساتها في هذه العملية، وعدم الاقتصار على المؤسسات المعنية بشكل مباشر فقط، وأرى أن على الرئيس أن يفكّر ملياً عند اختياره شخصية تتقلّد وزارة العمل، وأخرى تتقلد وزارة التنمية الاجتماعية فالوزراء التقليديون لا لزوم لهم في هذه المرحلة، ولعلي لا أبالغ، ولديّ الكثير مما أحمله في جعبتي للدلالة على ذلك، إذا قلت بأن من أهم أسباب الفقر والبطالة في المجتمع الأردني، ضعف أداء وزراء العمل والتنمية الاجتماعية وعدم إدراكهم لمهامهم ومسؤولياتهم بصورة كافية وأحياناً لتهاونهم وتقصيرهم الكبير في الاضطلاع بهذه المسؤوليات..!!
من جهة أخرى، فإن المطلوب من الرئيس الطراونة أن يصوّب الأخطاء الكبيرة التي خلقها مشروع هيكلة القطاع العام، فهناك تجاوزات قانونية خطيرة، وهناك حالات ظلم كبيرة لحقت بشرائح من موظفي القطاع العام، وهناك حالة غضب واحتقان هائلة ناتجة عن شعور بالغبن وعدم العدالة لدى فئات واسعة من موظفي الدولة، لأن الهيكلة لم تُطبق على أسس واضحة عادلة، ولأنها اعتدت على حقوق ومكتسبات أساسية، ولأنها لم تميّز بين مؤسسات ناجحة وأخرى فاشلة، ولأنه صاحبها العديد من التنازلات التي أرهقت موازنة الدولة ولا تزال تداعياتها مشتعلة، وما لم تصوّب كل هذه الأخطاء فإن النتائج ستكون كارثية على مستقبل القطاع العام وتطويره وموظفيه.. لذا فالمطلوب خطوة شجاعة من الرئيس بإسناد وزارة التطوير إلى شخصية دينامية مؤهّلة تستوعب فكرة الهيكلة وجوهرها وأساسها استيعاباً دقيقاً وتكون قادرة على تصويب مسارها ووضعها على السكّة الصحيحة لكي تؤتي ثمارها اليانعة، وإلاّ فإن ثمارها ستكون فجّة ضارة بالقطاع العام مدمّرة لمسيرة إصلاحه وتطويره..!!
أخيراً، فإن ما أرغب أن أنبّه له الرئيس الجديد هو ضبط تصريحات الوزراء، فقد لاحظنا في حكومات سابقة، ومنها حكومة الخصاونة، كثرة التصريحات المتناقضة للوزراء، وكثرة التراجعات عن تصريحات تُطلق في الصباح ويتم نفيها في المساء، كما أن الانفتاح التام والشفافية في التعامل مع الإعلام يجب أن تكون في طليعة أولويات الحكومة، حتى تكتسب المصداقية التي تسعى إليها، من هنا فإن إسناد مهمة الناطق باسم الحكومة لشخصية ذات قبول وحضور ليس فقط في الوسط الإعلامي وإنما في أوساط الشعب أيضاً وذات قدرات على الإقناع والخطاب هي مسألة يجب أن لا تغيب عن بال الرئيس، فالناطق المؤهل والحاضر دائماً يعكس الصورة الحقيقية للحكومة ويقدّم إنجازاتها ويدافع عن قراراتها وبرامجها بإقناع..
آمل أن ينجح الرئيس الطراونة في أداء مهمته على الرغم مما قوبل به من فتور شعبي.. لأن كلفة الفشل ستكون باهظة..!!
Subaihi_99@yahoo.com