المدمنون الصغار .. والفاسدون الكبار
د. هاني البدري
26-04-2012 03:30 PM
خيراً فعلتْ وزارة الداخلية، حينَ بادرَتْ دون ضغوط من الشارع واستناداً –على ما يبدو- إلى دراساتٍ علمية وميدانية، برفعِ تعديل هام على قانون العقوبات إلى رئاسة الوزارء يتعلقُ بالأشخاص الذين يُضبَطون بتعاطي المخدرات لأولِ مرة.. لاعتبارهم مرضى وليس مجرمين، وإسقاط العقوبة عنهم في حال تلقي العلاج.
المبادرة وَجدتْ طريقها لديوانِ التشريع قُبيلَ إقرارها كتعديلٍ قانوني أرى أنه نوعي من باب دوره في إنقاذِ مقترفي الخطأ الأول عن طريقِ الإدمان أولاً, ومن إعطاء الفرصة لقصور القانون لتحويله إلى مجرم كامل.
الأصل في الأمر هو العلاج والعودة عن الخطأ لا الإغراق في العقاب وتلقين الدروس التي كانت دوماً كفيلة بصناعة مجرمين متكاملي الهيئة من خلال اختلاط هؤلاء المدمنين الصغار لمجرمين وجناة فاتهم قطار المرة الأولى وعلاجها.
ورغم ما يبدو عليه التعديل المقترح للقانون من مساحة متاحة لأولئك الذين يجدون في تجربة المرة الأولى ملاذاً وفرصة سانحة دون التعرض للمحاسبة بمنطوق الحق العام إلاَّ أنه يمثل فرصة أخرى عظيمة لإبقاء الخطأ في نطاق حجمه الطبيعي دون تداعيات على مستقبل المخطئ أو الإتيان على صورته وسمعة أسرته وتطويق الشأن قبل أن يستفحل ليغدو سلوكاً إجرامياً يُنذر بصناعة مجرم جديد وزجه إلى مجتمعٍ لا عودة فيه.
لا يمكن لمثل هكذا قانون أن يشجع على التعاطي كما رأى بعض من النواب حين ناقشوا التعديلات قبل أشهر لكنه بالضرورة يحتوي على قدرات سحرية على ترميم التجاوزات ووئد الخطيئة الأولى في مهدها قبل أن تستفحل وتجد طريقها في دروب التنقل السلس بين جريمة وأخرى.. فروح القانون حين تُطَبَق بحكمة وتعمق للظروف المحيطة بالجرم تضمن مجتمعاً سليماً وتتصدى لمشاريع مجرمين صغار آيلة للسقوط .
إذن هو القانون أو كلمة السر التي تُفسح لنا النظر إلى صندوق العجائب، فأينما ضعف واستكان وتم إقصائه وتغييبه، كانت الغابة التي دون رقيب أو حسيب وحيث القوي يستفحل بقوته فساداً وإتياناً على حقوق البلاد والعباد..
وإلاَّ كيف ظهر كل هذا العدد من الفاسدين ممن استباحوا أرزاق الناس وموارد البلاد، وهل كانت كل هذه الأسماء الكبيرة التي اختبأت وراء الابتسامة اللامعة وربطات العنق المتوردة سنين طويلة.. بين ظهرانينا دون أن نشعر لأنها استفادت من غياب تطبيق فعلي وشفاف للقانون، وطبعاً بغياب كامل للرقابة والمسائلة وطبعاً جداً جداً بغطاءات النفوذ والأهل والعصبة..؟
بغياب القانون أو تراجع تطبيقه لا سقف لتوقع ما يمكن أن نراه.. هكذا كانت معضلة الأردن التاريخية المزمنة مثلاً في حرب الحوادث المرورية، حين كانت أرواح تقتلع على الأرصفة وفي الشوارع، وتذهب حقوقها سدىً بتراخي تطبيق القانون و(مطمطمة) الإجراءات و..(بوس اللحى).
وهكذا وقع المجتمع أسيراً لحروب الشرف وجرائمه فسقطت الحقوق وتداعى الأمان بعد أن وجد كل ذي حاجة أو مصلحة أو حجة سبيلاً لتبرير حاجته تحت ذريعة الشرف الرفيع الذي لا يسلم حتى تراق على جوانبه الدم.. أثناء سُبات التشريع القانوني..
قوانين الاحتكار والتعاملات المالية وأكوام الشيكات بدون أرصدة.. والتعثر المالي والبورصة، وقوانين المالكين والمستأجرين والمسؤولية الطبية وطبعاً قوانين محاربة عمالة الأطفال.. وغيرها.
من يحمي أولئك المتضررين من غياب التطبيق الشفاف لقوانين تتعلق بشؤونهم وبلقمة عيشهم وأخرى تتعامل مع أمنهم الاجتماعي وحقوقهم المدنية أو مستقبل أولادهم؟!
القانون يا سادة .. بعيداً عن قضية الخطأ الأول، هو سبيلنا نحو مجتمع متعافي لا غبن فيه ولا تطاول ولا حتى شعور بنقص من جهة مواطن تجاه الآخر على قاعدة من معه ومن ليس معه..
فأين القوانين التي تحمي الأطفال المستخدمين في كراجات وورش ميكانيك قبل أن يؤولوا إلى جرائم موقوتة قابلة للانفجار في وجوهنا في أي لحظة.. أين القانون المتكامل للمالكين والمستأجرين وأين قوانين أخرى كثيرة غابت أو انتهت صلاحيتها..؟
بمناسبة القوانين.. أين قانون الإنتخاب (المحترم).. والأحزاب والجنسية.. أليست كلها أهم بكثير من قانون تقاعد النواب والأعيان الذي أُقرَ على عجل.. قبل موعد الفراق..