تتسم الحقيقة العلمية باليقين الموضوعي، الذي يرتكز على أدلّة منطقية مقنعة لأي عقل، وقابلة لأن تنقل لكل الناس. وبذلك تختلف عن اليقين الذاتي المبني على رغباتنا.
من غير المقبول أن نستخدم عبارة في العلم يشوبها الغموض، وحتى حين يكون الشيء احتمالياً فالعلم يعبّر عن هذه الاحتمالية بنسبة رياضية محددة. وبذلك فإنه يحدد بدقة درجة عدم الدقة باستخدام لغة الرياضيات.
العقلية العلمية تبحث عن الأسباب، كانت الحضارات القديمة تشيّد مباني ضخمة دون أن تحاول معرفة النظريات الكامنة وراء عملية البناء وتكتفي بأنها حققت الهدف المطلوب. لكن معرفة أسباب هذه الظواهر هي التي تمكننا من التحكم بها على نحو أفضل، فدراسة طبيعة الموجات الصوتية هي التي مكنت من اختراع التلفون والراديو واللاسلكي، وكان من المستحيل بلوغها لولا معرفة أسباب هذه الظواهر.
العلم ظاهرة متأخرة في تاريخ البشرية، وحتى الآن فالبشرية مازالت بعيدة عن اكتساب جميع سمات التفكير العلمي.
العلم لم ينشأ إلاّ في اللحظة التي قرر فيها الإنسان أن يفهم العالم، كما هو موجود بالفعل لا كما يتمناه.
يعتقد بعض الناس أن الحكمة كلها تكمن في القدماء، وهذا نوع من النظرة الرومانسية للتاريخ.
لقد رفض المعاصرون لـ (جاليليو) النظر إلى السماء بالمنظار المقرّب الذي اخترعه خشية أن يهدم عالماً عزيزاً مألوفاً لديهم تكون فيه الأرض مركز الكون لا مجرد كوكب سيار.
لقد كانت الحضارات القديمة بارعة في الاستخدام العملي للمعارف الموروثة، لكنها لم تتوصل إلى النظريات الكامنة وراء هذه الخبرات، كانت أشبه بالمقاول الذي اكتسب قدراً هائلاً من الخبرات العملية، سواء عن طريق التلقين أو الممارسة دون أن يعرف أسس البناء بما يمكنه من التصرف حال حدوث أي طارئ.
لقد كانت صورة العلم في العصور الوسطى الاسلامية تتسم بالإيجابية والانفتاح على العالم من خلال ترجمة علوم اليونان والفرس والهنود. لم يهتموا بالجانب النظري فحسب، كما فعل اليونان، وإنما اهتموا بالعلم التجريبي والبحث العلمي من أجل فهم قوانين الطبيعة، مثل جابر بن حيان في الكيمياء، والحسن بن الهيثم في البصريات، والبيروني في الفلك والرياضيات والرازي وابن سينا وابن النفيس في الطب والخوارزمي في الجبر حيث ابتكروا علم الجبر وحساب المثلثات.
لقد أضافوا للعلم معنى جديداً لم يكن يلقى اهتماماً بين اليونانيين وهو استخدام العلم من أجل كشف العالم الطبيعي وتمكين الإنسان من السيطرة عليه، وكان ذلك طبيعياً في حضارة قامت على أساس الجمع بين الدين والدنيا.
لكنهم احتفظوا ببعض العناصر السلبية التي ترجع إلى اليونانيين مثل فكرة الأمزجة في الطب والعناصر الأربعة، الماء والهواء والنار والتراب وضاع وقت ثمين في تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب والتنجيم والبحث عن حجر الفلاسفة.
والدرس الأكبر في تاريخ الحضارة الإسلامية هو أن التفاعل بين الثقافات هو الدافع الأول إلى تقدم العقل البشري، فلم يخجل المسلمون في عصرهم الذهبي من استيعاب علوم الثقافات الأخرى الأقدم منها عهداً، ولم يخجل الأوروبيون أيضاً من ترجمة أمهات الكتب الإسلامية وتدريسها في أعظم جامعاتها، فالتفاعل مصدر نفع للبشرية أينما حدث.
إن تشجيع العلم والعلماء وإعطائهم الحرية الكافية للإبداع سيعكس الخير كله على الوطن مما يحقق النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ويساهم في بناء الدولة الحديثة ويطوّر مواردها بمساعدة الكفاءات المنتمية لتراب الوطن. فلن يبقى هناك فاسد أو مستغل على الساحة وبهذا يتحقق الاكتفاء الذاتي وتغلق جيوب الفقر وتجفف منابعه وتلغى الحاجة من الآخرين ونلحق بركب الحضارة والمدنية في الدول المتقدمة التي سبقتنا في هذا المضمار.