لم تعد المماطلة النيابية والحكومية العقبة الوحيدة التي تعيق تطبيق خريطة الإصلاحات السياسية هذا العام؛ هناك أيضا غموض يلف العملية برمتها.
حتى الآن لم تشكل الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، وكل يوم يمر قبل تشكيلها لن يعوض. وحسب علمي، لم يعقد رؤساء السلطات الثلاث أي اجتماع حتى الآن لرفع قائمة المرشحين لرئاسة وعضوية الهيئة إلى جلالة الملك لاختيار من يراه مناسبا من بينهم. قانون الانتخاب صار في مهب الريح بعد توجه الحكومة إلى طلب الفتوى الدستورية، ونيتها تأخير موعد الدورة الاستثنائية إلى ما بعد منتصف الشهر القادم، ليتسنى لها مراجعة مشروع القانون وإدخال تعديلات على النظام الانتخابي الذي أثار جدلا واسعا. والتعديل الوحيد المتوقع حتى الآن هو إلغاء صفة الحزبية عن القائمة المغلقة، وفتح المجال أمام الجميع لتشكيل القوائم، بينما لم تحسم الحكومة موقفها حيال تعديلات أخرى تطالب بها قوى سياسية واجتماعية.
الحديث عن ترحيل الانتخابات النيابية إلى العام المقبل أصبح في نظر مراقبين بمثابة خيار الأمر الواقع، يجري الترويج له في أوساط سياسية وإعلامية.
هذا ليس صحيحا بالطبع؛ فما يزال بالإمكان إجراء الانتخابات قبل نهاية العام، لكن القوى المستفيدة من بقاء الوضع على حاله تسعى بكل قوة إلى إجبار الدولة على التراجع عن وعودها، ومن بين هؤلاء نواب ووزراء وساسة لم يكونوا يوما في صف الإصلاح.
في خطابه الأخير أمام البرلمان الأوروبي، قال الملك إنه الضامن والكفيل لعملية الإصلاح في الأردن. هذا صحيح بالطبع، ولم يكن لأحد أن يصدق أن الإصلاح ممكن لولا وعد الملك.
التحدي يكمن هنا؛ وأعني في مدى التزام السلطتين التنفيذية والتشريعية بإنجاز خريطة الإصلاحات الملكية.
لقد حاولت هذه الجهات أن تتملص من التزاماتها بحجج وذرائع مختلفة. فرغم إنجاز قانون الهيئة المستقلة وإعداد مشروع قانون الانتخاب، إلا أن المحاولات لتعطيل إجراء الانتخابات هذا العام لم تتوقف.
الرأي العام الأردني يشعر بالقلق على مصير الإصلاحات، ولا ينتظر شيئا بهذا الخصوص من الحكومة والبرلمان؛ لا بل إن السؤال الذي تسمعه على كل لسان: متى سيرحلون؟ رهان الناس هو على دور الملك وكفالته لعملية الإصلاح.
ينبغي التفكير في خطوات حاسمة لتبديد حالة الغموض، واستعادة الثقة بجدية الدولة في تسريع عملية الإصلاح، وعدم السماح لأي طرف بتعطيلها. ابتداءً، يجب التسريع في تشكيل الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، ومن ثم الإسراع في عقد الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، والإعلان رسميا أن الانتخابات النيابية ستجرى قبل نهاية العام الحالي، وتكليف أجهزة الدولة بالعمل ليل نهار لإنجاز الترتيبات اللازمة ومساعدة الهيئة المستقلة في إنجاز مهمتها.
الأردن يواجه أوضاعا اقتصادية صعبة، واحتقانات اجتماعية وسياسية كبيرة، تحتاج إلى مؤسسات ذات ثقة ومصداقية لمواجهتها. الوضع الحالي لا يمكن أن يصمد طويلا؛ المؤسسات القائمة حاليا هشة، ولا تتمتع بالثقة المطلوبة. باختصار، الشعب يريد التغيير.
fahed.khitan@alghad.jo
الغد