للمرّة المليون نقول إن ما يجري في سوريا لا يُرضي أحداً على اتساع الأرض العربيّة. فنحن ضد أي اضطراب أوجرائم في أي بلد عربي. ولكن أيضاً يجب أن نلتفت إلى الوضع في سوريا من الزاوية المقابلة. وللتمكين من الفهم لا بد من الاعتراف بأني لا أخشى أن أقارب الأمور من منطق نظرية المؤامرة، فكفانا رعباً وخوفاً من الاتهام بأننا نأخذ بنظرية يجب أن نبتعد عنها وإلا فإننا منحرفون. وللأسف أننا تنازلنا عن عقولنا ورجولتنا، وسجدنا بكل خضوع وخنوع لهذا الاستخفاف بنا، تماماً كما أُصبنا بالهلع عندما اتهمونا بأننا أعداء للساميّة رغم معرفتنا أننا في الأصل ساميون.
نعم هناك مؤامرة كبيرة تحاك ضد الدول العربيّة من غربها إلى شرقها، مؤامرة تهدف إلى إهدار الدم العربي والاستقرار العربي، والممانعة العربية، والاستقلال العربي. وما جرى في ليبيا وما يجري الآن في اليمن ومصر، وما هو مخطط لسوريا كل هذه الممارسات تشير، وبكل وضوح، إلى عظم المؤامرة وخطورتها. وإلاّ فما معنى هذا الاندفاع غير المسبوق لفرنسا وتركيا ووزيرة خارجيّة أمريكا وبعض العرب نحو إذكاء نار الفتنة في سوريا. وما هذا التباكي الغربي، الواضح زيفه، على أبناء اليمن ومصر وتونس والسودان وليبيا والعراق والبحرين.
ولنعد إلى ما يجري في سوريا، أليس كان من الأجدى لو أخذنا بالرؤية الأردنية التي وضع أساسها الملك حسين رحمه الله، ومنهجها وطوّرها جلالة الملك عبد الله الثاني، هذه الرؤية التي قالت منذ حرب الخليج الأولى إن الحل العربي المتوازن هو المدخل الأسمى والأطهر والأقدر على الإبقاء على قدرتنا وقوّتنا وعزتنا.
ولمّا أن سقطت الجامعة العربية بقيادة مصر آنذاك في شرك الإستراتيجية الأمريكية والغربية والإسرائيلية، كان ما كان من استباحة العراق والخليج العربي كلّه. ومن تدمير قوّة التواصل والتعاون العربيين. وقامت علينا الدنيا آنذاك. حتى وصل الأمر ببعضهم إلى اتهامنا بأننا كنا أصحاب مصلحة في العدوان الثلاثيني على العراق لغرض في نفس يعقوب. ونسوا أن الأردن لم يكن، في يوم من الأيام، إلا في صف النظام العربي والعمل العربي المشترك. ولمّا أن قلنا أن تهجير القضايا العربية إلى الدوائر الخارجيّة هو أمر خطر ومخيف لم يعجبهم ذلك بل تمادوا وطالبوا بتسليم كل الحلول إلى الاستقواء الدولي الذي ضرب العراق وليبيا والسودان ولبنان، ولم يعتبروا من ذلك، فبدأوا بإطلاق جهد غير مسبوق في التحريض على زيادة الأزمة في سوريا. متجاهلين أن نظرية "الدومينو" لا تزال متبعة ومفضلة ومعتمدة.
وبعد كل هذا فإننا نقول إننا "نستاهل" أن نجني ما زرعناه، وذلك عندما تعامينا عن الحل العربي، وعندما هجرنا الرؤية القومية، وسكنا بكل إصرار في مواخير التبعية والعبودية، وعندما غفلنا، عن قصد أو عن غير قصد فلا فرق، عن قدراتنا وإمكاناتنا، وتنكرنا لتاريخنا ومبادئنا وقيمنا. فبدأنا بتحريض بعضنا على بعض، وأخذنا بمناهج التجزئة والتشرذم، وأسقطنا، عمداً أو سهواً، من أيدينا كل مفاتيح المبادرة العربية، وسلمنا رقابنا لأصحاب الأجندات والمصالح التي هي، بالضرورة، تخدم أصحابها وتضر بمصالحنا. حتى بعثة التقصي العربية لسوريا دمّرناها وأتينا ببعثة أخرى أخشى أن لا تذكرنا ببعثات البحث عن أسلحة الدمار الشامل التي حرثت العراق ورسمت خارطة تدميره.
إن مواجهة الأزمة العربية أصبحت ذاتها أزمة، فلا نحن ملكنا الإدارة السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية لحل قضايانا، ولا نحن حفظنا مركزنا حتى في السياق الدولي في وضع حد لهذا الانهيار العربي وارتكازاً على ذلك فإن "العاقل العربي" يحذر من الأيام القادمة حيث سنرى "وصاية" و"انتداباً" و"استعماراً جديداً" يلف كل جنباتنا.