لا يوجد أفضل من جلسة عائلية لمشاهدة برنامج ترفيهي للأطفال، ولكن الحال في هذه الأيام تغيرت تماما عما كان عليه جيلنا.
أنا أنتمى إلى جيل أطفال الثمانينيات، حيث كانت المسلسلات الكرتونية المدبلجة هي مصدر التسلية الأساس في زمن لم تكن فيه الفضائيات ولا الحواسيب ولا الهواتف النقالة ولا الأقراص المدمجة ولا منتجات الراحل ستيف جوبز موجودة بحيث اصبحت هي المرجعية التعليمية لأطفال هذا الجيل.
لا أستطيع القول إنني أحسد أطفال هذا الجيل على تعدد مصادر التسلية أمامهم بل اشفق عليهم من الفوضى الموجودة ومن السهولة الكبيرة للتغيير والذي قد يسبب أنواعا من الخمول والانقياد لما يسمى الموضة الجديدة في كل مرة، والمدعومة بمنظومة هائلة من أدوات التسويق الإعلامي.
في أوقات طفولتنا كان صباح يوم الجمعة وفترة ما بعد الظهيرة في التلفزيون الأردني هي المغناطيس الذي يجذبنا لنشاهد الكابتن ماجد والكابتن رابح وعدنان ولينا وطمطم وجرندايزر- والذي تطور قبل عامين ليصبح فيلما هوليووديا بتكاليف باهظة تحت اسم المتحولون!- وغيرها من المسلسلات، بينما كانت الفتيات يذرفن الدموع وهن يشاهدن المآسي التي يعرضها التلفزيون الأردني والسوري تحت مسمى برامج أطفال حول البنات اليتيمات المعرضات للتعذيب والمشاكل والحزن! أما كلاسيكيات توم وجيري فكانت هي الخيار الأفضل للجميع.
منذ ولادة ابنتى الأولى قبل 11 سنة أصبحت بحاجة لمتابعة المسلسلات الكرتونية مجددا سواء مرغما أو برغبة ذاتية، وقد عانينا طويلا في البداية لإيجاد برامج مسلية وبريئة ومضحكة وذات بعد تعليمي ولم نجد ذلك للأسف في كافة الفضائيات العربية.
وتطلب منا الأمر اشتراكا في قناة ديزني لمتابعة البرامج المسلية والبسيطة والتي لا تظهر فيها اشكال مشوهة وعنف وكائنات خارقة تجعل الطفل يشعر بالخوف والقلق من العالم.
ترافق ذلك ايضا مع ظهور كلاسيكيات أفلام ديزني مثل الأسد الملك وحكاية لعبة والبحث عن نيمو وبوكاهنتوس وطرزان وغيرها من الأفلام التي تم إعدادها بمستوى عال من الاتقان والفعالية، وساهم ظهور الأقراص المدمجة بجعل هذه الأفلام متاحة بشكل دائم في المنزل لتشاهدها الأسرة في اي وقت.
مع ولادة التوأم قبل 3 سنوات وبعد ذلك أصبح التركيز منصبا على قنوات الاطفال الجديدة والتي تقدم الأغاني والرسومات ولكن للأسف ضمن إطار تجاري بحت في بعض الاحيان وضخ مستمر لرؤية دينية وسياسية من المبكر جدا طرحها على الأطفال في هذا السن.
ولكن كل هذا كان أرحم من الشخصيات الجديدة التي اصبحت هي السائدة في هذه الفترة، فإذا كان الماعز شون شخصية لطيفة ومحببة فإنني لم استطع ابدا أن استوعب المدعو “سبونج بوب” حيث اشعر بالكثير من التسارع في الألوان والأصوات والذي يمكن أن يؤثر سلبيا على قدرة الإنتباه والتركيز لدى الطفل.
نحن نعيش في عالم استهلاكي والأطفال هم من “أفضل” المستهلكين وليس من الغريب أن تحقق الشركات والمؤسسات التي تنتج مواد إعلامية وترفيهية للأطفال نجاحا ماليا كبيرا ومنها القنوات الفضائية العربية الجديدة وهي طاحونة مال لا تتوقف، ولكن الأهم من ذلك تقديم منتج متناسب مع الأطفال يساعدهم على تحقيق تسلية بريئة وغير موجهة سياسيا ولا دينيا.
نحتاج أيضا في مجتمعنا إلى دراسات علمية جادة وغير منحازة لمعرفة مدى تأثير هذه المسلسلات والمنتجات الترفيهية على شخصيات الأطفال وقناعاتهم والطريقة التي ينظرون بها إلى العالم حولهم، فهل تزرع فيهم الخير أم العنف، هل تقودهم نحو السعادة أم الخوف، هل تشعرهم بالأمن أم القلق وهل تساعد صحتهم البدنية أم تجعلهم خاملين وكسالى وزائدي الوزن؟ من المهم أيضا معرفة نوعية السلوك الذي تنشره هذه المنتجات الترفيهية وهل تعزز الصور النمطية عن الذكور والإناث والأعراق المختلفة وهل تجعل الأطفال يعيشون في عالم خيالي بعيدا عن الواقع؟
دراسات كهذه ستساعد الأهل على اتخاذ القرارات السليمة لأبنائهم فيما يتعلق بمصادر التسلية المختلفة وممارسة ضبط ديمقراطي نسبيا يعزز من المصادر المفيدة ويقلل من تأثير المصادر السلبية، وإلى أن يحدث هذا سيبقى توم وجيري في قمة لائحة البرامج المفضلة فهو يقدم ضحكا غير مشروط وهذا ما نفتقد إليه كثيرا في حياتنا!
batirw@yahoo.com
الدستور