مقاربة الأمني والسياسي .. المهمة فشلت !!
راكان السعايدة
18-04-2012 11:55 AM
هل لدى منظومة الحكم استراتيجية متماسكة تشتبك في سياقها مع أزمتها الداخلية؟ قبل ذلك، هل المنظومة متماسكة بذاتها ولذاتها، وتتوافر على إدارة مؤسسية واحدة، وفهم مشترك للواقع المأزوم، وكيفية ضبطه ومنعه من الانفلات المدمر؟!.
من الناحية الواقعية والنظرية، لا يوحي أي معطى ذا قيمة أن الدولة الرسمية تتوافر على رؤية استراتيجية متماسكة، مبنية على فهم الواقع وتطوراته وفي أي منحى يسير، بما يعنيه ذلك أيضا من غياب الفهم العميق لطبيعة قواعد الاشتباك مع هذا الواقع.
تماما، كما لا معطى جوهري يشي أنها تمسك على عقل وإدارة جمعيين ومنسجمين، إذ تفتقر ما يمكن وصفه بـ"خلية أزمة" جدية وحقيقية تملك أدواتها ووعيها الضروريين لمواجهة الأزمة والتفاعل معها بما هو صحيح ومنطقي لا بما هو مفتعل و"ترقيعي".
وحال التردي في إدارة الأزمة، عائد في جوهره إلى أن منظومة الحكم، على فرض تماسكها، لم تجب بشكل حاسم على سؤال مركزي، سؤال الخيارات .. هل تتبع مقاربة أمنية أم مقاربة سياسية في معالجة الأزمة؟
على ما يبدو، أن عدم إجابة هذا السؤال بشكل نهائي، مرده اعتقاد أركان الحكم أن الحراك السياسي الوطني، شعبيا وحزبيا، سيتكفل الزمن والحلول الشكلية، لا العميقة، واختراق مفاصله، بإنهائه، أو على الأقل إضعافه إلى الحد الأدنى الذي لا يستدعي تنازلات كبرى.
لذلك، كان القفز بين الخيارين الأمني والسياسي، نتيجة طبيعية فرضها فهم الدولة المشوه لطبيعة الحراك السياسي ومآلاته واحتمالاته المفتوحة (...) وشكل هذا القفز بين الخيارات، في النهاية، سببا في إنعدام الثقة وتعاظم الريبة والشك عند الرأي العام، بكليته، وبشكل رئيسي عند حراكه، في جانبيه الشعبي والحزبي.
والخلط الرسمي بين الخيارات، الأمني والسياسي، لا يدخل في باب تقاسم أدوار داخل منظومة الحكم بنته على استراتيجية ومقاربات ذكية للتعامل مع الواقع..
وإنما تعبيرات عن تعدد الرؤى داخل المنظومة واختلاف المنهجيات لاختلاف طبيعة فهم ووعي أركان الدولة، وتصادمها أحيانا بصورة تفضي إلى تعارض وتناقض طريقة المعالجة للقضية الواحدة.. فكيف بالمعالجة الكلية.
ليس أدل على غياب وحدة الرؤية والموقف والإدارة في بعدها الرسمي، من الكيفية التي جرى في سياقها التعامل مع قضية معتقلي الطفيلة و"الرابع"، وقانون الانتخاب، بوصفهما أحدث تجليات الحالة الوطنية الماثلة.
والأمران ألقيا ظلالا قاتمة على المشهد، إن لجهة الإصرار على البعد الأمني في التعامل مع قضية حراك الطفيلة من لحظة فض اعتصامهم، ضربا واعتقالا، إلى مسألة تكفيلهم وتفوق الهاجس الأمني على السياسي، في إطار رؤيتين تناقضتا بصورة جلية وكاشفة عن عمق مأزق الإدارة وعقليتها.
وفي جانب قانون الانتخاب، كان واضحا مأزق الدولة وتمزقها بين خيار وضع قانون انتخاب يحدث اختلافا جوهريا في مسار الإصلاح وتقبله القوى السياسية، وبين رغبتها في التحكم، ولو نسبيا، بمخرجات القانون وتركيبة مجلس النواب المقبل..
معنى ذلك، أن القانون تنازعته رؤية أمنية وأخرى سياسية، فأسس على قواعد وحسابات انتهت إلى جملة تناقضات في صلبه ليس أقلها، التشوه، غير الملتبس، في مسألتي الصوتين، والقائمة الحزبية، إذ جاءا بِدعا أردنيا خالصا، لا مثيل له في أنظمة الانتخاب واكثرها شيوعا، ولا تجد له مثيلا أينما وليت وجهك.
ما أرغبه، هو التأشير على ما لا تخطئه عين من أن الصراع بين الرؤية الأمنية ومثيلتها السياسي لا يمكن أن يفضي إلى نتائج إيجابية يمكنها تبريد الأزمة الوطنية، بل إن استمرار الصراع بين الرؤيتين يساوي في محصلته السلبية اعتماد الأمني على حساب السياسي..
لماذا هذا النسق المشوه، وأي طريق للخلاص؟ ما لا شك فيه، ولو نظريا، أن طبقات في الحكم لا تتوافر على رغبة حقيقية في أن تحدث تغييرا ملموسا في هيكلية الدولة ومضامينها، وتسعى في إطار ذلك إلى المحافظة عليها وإدخال تجميلات غير مؤثرة في النسق العام.
سبب ذلك، في أغلب الظن، إدراك هذه الطبقات أن الإصلاح بمعناه الدقيق والحقيقي سينتهي، عاجلا أم آجلا، إلى استبدال طبقة الحكم الحالية بأخرى تحمل فهما مختلف للدولة، شكلا ومضمونا. إذ من الطبيعي أن مسار أي عملية إصلاح سيصعد في طريقه نخبة حكم جديدة تحل محل تلك القديمة، ولو تدريجيا.
ومن شأن هذا الفهم وحساباته الضيقة، المنحازة للخاص لا للعام، إضفاء مزيد من الأخطار ويؤدي إلى منزلقات غاية في الصعوبة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، خصوصا إذا بقيت طبقة الحكم خاضعة وتحكمها عقلية الموظف لا السياسي التي طبعت إدارة الدولة عبر تاريخها.
إن إحداث تغيير إيجابي في مسار الدولة العام يؤسس لتفاهمات وتوافقات بين منظومة الحكم والحراكات الشعبية والحزبية، سيخلق مناخا مريحا ومتوازنا يعظم الدولة وتماسكها الداخلي ويقويها في مواجهة مروحة من الأخطار الخارجية.
وهذا يتطلب، كطريق خلاص: استراتيجية إصلاحية متماسكة وعميقة، لا التباسات فيها، ومجدولة زمنيا وتحدث فرقا. يلي ذلك إدارة سياسية موحدة، متصالحة لا متصارعه، يحكمها عقل سياسي كخيار نهائي، ووعي بأن قيمة الدولة ومصالح مكوناتها تتقدم على المصالح والحسابات الذاتية.
كذلك التوقف عن الإنكار الذي تمارسه منظومة الحكم لقيمة وأثر الحراك في بعده الشعبي، وعدم الاتكال على أن تسويات مع القوى الحزبية، وحدها، سيؤدي إلى تبريد الأزمة وينهيها بأقل التضحيات والتنازلات.
في سياق هذا المنحى، إن تبناه الحكم، يكون لازما على الحراك السياسي بناء رؤية إصلاحية كلية يفاوض على هديها.
وتأسيسا على ثقة متبادلة يمكن تلاقي الإرادات على رؤية تضع أساسا إصلاحيا معقولا وواقعيا، ضمن مقاربة توفيقية بين الطموح والممكن، لا يفرضها طرف، رسمي أو أهلي، على آخر.. رؤية تتحسب للمحاذير والمخاطر المحيطة بالوطن كي لا يتحول الفعل شكلا من التدمير الذاتي..
محصلة القول.. طالما الإجماع متحقق على إصلاح تحت سقف النظام.. فأي معقولية تسند سعي أدوات في الحكم لجعله إصلاحا تحت سقفها..