قبل رحيل حكومة الدكتور معروف البخيت بأيام قليلة، كتبت مقالا بعنوان "الرحيل أولا للحكومة أم لمجلس النواب؟" (الغد، 16/10/2011). ورحلت حكومة البخيت وبقي مجلس النواب في واحدة من أهم وأدق المراحل التي يمر بها الأردن في تاريخه، والمتعلقة بحركة الشارع المطالب بالتغيير والإصلاح السياسي، ليكتشف المواطن الأردني أن مجلسه النيابي هو أداة معطلة للإصلاح السياسي، وأن الهم الأول والأخير لكثير من أعضائه هو تحقيق مكاسب شخصية على حساب الوطن والمواطن.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبح الصحفيون وأصحاب الرأي مادة لهجوم بعض المجلس، في محاولة منهم لردع أي انتقاد يوجه إليهم. ولذلك، وبعد حادثة التصويت الشهيرة بمنح حكومة سمير الرفاعي الثقة بـ111 صوتا من أصل 120 هي مجموع أصوات النواب، لم يعد للمجلس ادنى اعتبار في أذهان الناس منذ تلك الفترة، وبقي مادة للحديث في كل جلسات السَمر التي يتسامر فيها الناس.
ورغم ذلك الانطباع الشعبي الذي لا يقيم وزنا للمجلس، إلا أنه أحيلت عليه أهم القوانين المتعلقة بمستقبل الأردن السياسي والإصلاحي، بالإضافة إلى الملفات المتعلقة بالفساد والتي تمت "لفلفتها" وطيها. وزاد السخط الشعبي على أغلب إجراءات المجلس التي تتعارض مع روح ومستقبل العمل الديمقراطي الذي نسعى إليه. ورغم ذلك كله، لم يتمكن المجلس من تغيير الصورة النمطية السلبية التي كونها الناس عنه، بل على العكس من ذلك كرس مزيدا من الإحباط لدى الناس عن جدوى وجود مجالس نيابية من أصلها، علما أن المواطن يتحمل جزءا كبيرا من هذه المسؤولية عندما أخفق في اختيار مرشحيه، أو عمد إلى مقاطعة الانتخابات.
كانت المقالة التي كتبتها من عدة أشهر تشير إلى ضرورة حل المجلس والتبكير في إجراء الانتخابات، لعل وعسى نستطيع إيجاد مجلس يستطيع أن يقوم بالمهمة الصعبة في إقرار حزمة القوانين الناظمة للإصلاح السياسي. ولكن بقي المجلس ورحلت الحكومة، ولم يكن دور المجلس سوى التعطيل في أغلب الأحيان. وهذا ما حدث في جلسة مجلس النواب أثناء مناقشته مشروع قانون الأحزاب، وذلك بالموافقة على اقتراح يحظر ترخيص الحزب السياسي على أساس ديني، وهو ما فسره رئيس اللجنة القانونية للنواب النائب محمود الخرابشة، بأنه تعديل يطال حزب جبهة العمل الإسلامي، ويفرض عليه تغيير مسماه أو حله!
كما أقر مجلس النواب مادة تعيد ارتباط الأحزاب السياسية بوزارة الداخلية، بعد أن عدلت اللجنة القانونية للنواب المادة أصلا، وربطت الأحزاب بوزارة العدل، ما اعتبر يومها تعديلا إيجابيا يدعم الحياة السياسية والحزبية.
مجلس النواب لم يعد مؤتمنا على التشريع، وما عاد مقبولا أن يتصرف النواب على هواهم وبهذه الطريقة الانتقامية. ففي الوقت الذي يتحدث الجميع وفي مقدمتهم الملك عن الإصلاح ومنظومة التشريعات الإصلاحية، يقوم مجلس النواب بفرملة هذه الجهود وإعادتنا سنوات وسنوات إلى الخلف، فهل هناك نهاية لهذا المشهد التعطيلي؟
الغد