الكوتا النسائية تمييز ايجابي أم مخالفة للدستور؟؟
17-04-2012 05:36 PM
إن حقوق الإنسان أو الحقوق والحريات العامة، قد أقرتها مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، وكذلك النظم الدستورية في عموم دول العالم المعاصر والمواثيق والاتفاقيات الدولية في إطار منظمة الأمم المتحدة.هذه الحقوق والحريات تقررت لعموم الأفراد رجالاً ونساء سواء بسواء، نتيجة طبيعتهم وصفتهم الإنسانية أو البشرية أو بسبب كونهم أعضاء في المجتمع.
وتُعد الحقوق السياسية من أهم الحقوق والحريات العامة، كونها تسمح للأفراد بالمشاركة في الحياة السياسية وفى التعبير عن السيادة الشعبية وممارستها. وهي تشمل حق الانتخاب، ودون تفرقة بين الرجل والمرأة، كما يشمل أيضاً حق الترشيح للمجالس النيابية والمحلية بغير قيود ودون تفرقة بين الرجل والمرأة، وذلك لعموم الأفراد بصفتهم المستقلة كمواطنين.
وعلى الرغم من اعتراف المشرع للمرأة الأردنية بالحق في الترشح والانتخاب لمجلس النواب في عام 1974، إلا أن المرأة فشلت في الوصول لقبة البرلمان وبدأت سلسلة الفشل بترشيح 12 امرأة في انتخابات 1989 حيث لم تفز أي منهن ، وترشحت 3 نساء في انتخابات 1993 لكن واحدة تمكنت من الفوز عن طريق مقعد الشركس والشيشان. ولم تفز أي امرأة في انتخابات 1997 .
وعليه؛ ومن أجل إعطاء دفعة قوية لدور المرأة على المستوى السياسي، جاء المشرع الأردني فأخذ بنظام تخصيص "كوتا" لتمثيل المرأة بالانتخاب على نحو فعال في السلطة التشريعية في الدولة، إيماناً بأهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به في البرلمان الأردني بالنظر لتأصل وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وذلك بتعديل قانون الانتخاب المؤقت لعام 2001، من خلال تخصيص (6) مقاعد كحد أدنى تتنافس عليها النساء إلى جانب الحق في المنافسة على المقاعد الأخرى كافة، وتم رفع العدد في الانتخابات الأخيرة(لسنة2010) ليصبح عدد المقاعد المخصصة للنساء (12) مقعداً من أصل (120) مقعداً أي ما نسبته 10% من مجموع مقاعد مجلس النواب، وقد تقدمت الحكومة مؤخرا بمشروع قانون يرفع عدد المقاعد المخصصة للنساء (12) مقعداً.
وقد انقسمت الآراء بخصوص موقف المشرع بين مؤيد ومعارض بحاجة مخالفتها للدستور،
نحن نؤيد مع جانب كبير من الفقه الأخذ بنظام الكوتا، لأسباب عملية من ناحية ، وكون هذا النظام لا يخالف أحكام الدستور من ناحية أخرى، ومن شان هذا النظام أن يعود بالفائدة على المجتمع الأردني ، للأسباب و المبررات التالية:
أولا : المبررات العملية :
1. أن إعلاء مكانة المرأة ومدى مشاركتها في الحياة السياسية، لا يتأتى بتعيينها في مواقع سياسية معينة قسراً، أو الزج بها في مكان قد لا تكون فيه على قناعة بدورها، أو بأن يتولى المشرع تحديد عدد من المقاعد النيابية تتبوأه رغما عن أنف الرجل وبصفة دائمة، وإنما يتأتى بتغيير الثقافة المجتمعية السائدة في المسألة السياسية والتي تقلل من شأن المرأة في خصوص هذه المسألة، والأخذ بيدها مؤقتاً وبشكل مرضى ومتدرج، حتى يتعود المجتمع على وجودها، وتصبح أكثر فاعلية ليس في المواقع السياسية فحسب، وإنما تصويتاً وترشحا للمجالس النيابية والمحلية، بل وحتى تثبت هي كفاءتها وجدارتها في تلك المواقع. الأمر الذي يتطلب مساندتها والوقوف إلى جوارها، وهو ما تسعى إلى تحقيقه القيادة السياسية من خلال توفير حد أدنى من المقاعد في مجلس النواب عن طريق ما يعرف بنظام الكوتا .
2. إن قضية تولي المرأة المناصب العامة( ومنها عضوية مجلس النواب) تتحدد نتيجة تفاعل ثلاثة عوامل ، الأول قانوني : والذي يتمثل بالنصوص القانونية التي تسوي أو تفرق بين الرجل والمرأة في تولي المناصب العامة ، و الثاني قضائي يتمثل بموقف القضاء من السلطة التقديرية للإدارة بشأن التفرقة ما بين الرجل والمرأة في تولي المناصب العامة ومدى إقراره أو تقييده لهذه السلطة ووضع الضوابط لها ،و الثالث، عامل اجتماعي سياسي يتمثل بمدى تهيؤ المجتمع وتقبله اجتماعيا وسياسيا لعمل المرأة بصفة عامة ، ولعدم أفضلية الرجل على المرأة بصفة خاصة. والملاحظ إن العامل الأخير قد يجعل من النصوص القانونية والأحكام القضائية مجرد هياكل لا روح فيها، عندما يسبق التطور القانوني في المجتمع التطور الاجتماعي و السياسي عندها تغدو النصوص القانونية، بلا شرعية اجتماعية، وعندها تفقد قيمتها الفعلية.
3. أن حل قضية أو معضلة التمثيل البرلماني للمرأة الأردنية لا يكمن في تخصيص المقاعد لها بشكل آلي تلقائي، لأن معنى هذا أن كل من هو غير قادر من الرجال على النزال الانتخابي لسبب أو لآخر يحتاج بدوره إلى حصص تخصص له، فالأمر ليس على هذا النحو من التسطيح؟؟
4. أن دور المرأة الأردنية في مجلس النواب أيا ما كانت انتماءاتها حيوي وجوهري في عملية التشريع والرقابة لأنها تعبر عن آلام ومشاكل الأسرة الأردنية مثل كل مجتمع له مشاكله بالضرورة ، وذلك بحكم أنها أم وربة منزل وتمثل نصف المجتمع .
5. مع الاعتراف بأن التجربة تمثل نوعاً من التمييز الايجابي، فليس فيها بالضرورة الحتمية خرقاً لمبدأ المساواة الذي هو ليس مبدأ مطلقا ، وذلك بالنظر لظروف المرأة الأردنية والتي تجعل وضعها الواقعي مخالفاً لوضع الرجل مما يقتضى تشجيعها ودفعها وتحفيزها.
6. هناك تجارب لهذا النظام في دول أخرى( أكثر من 27 دولة في العام) وحتى في فرنسا كقلعة من قلاع النظام الديمقراطي هناك من ينادى بقوة الأخذ بنظام "الكوتا" للمرأة الفرنسية لضعف تمثيلها نسبياً لدرجة عدم التوازن الشديد بالمقارنة للنواب من الرجال
ثانيا : المبررات القانونية:
أن نظام الكوتا لا يخالف الدستور،فلا يوجد تعارض ما بين نص المادة (6) من الدستور والتي تنص على: (الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق و الواجبات، وان اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين) ، و المادة (22) من الدستور والتي تنص على(1. لكل أردني حق في تولى المناصب العامة بالشروط المعينة بالقوانين والأنظمة.2. التعيين في الوظائف العامة من دائمة و مؤقتة في الدولة و الإدارات الملحقة بها والبلديات يكون على أساس الكفاءات و المؤهلات ). والمادة (67) من الدستور والتي تنص على( يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرا وفاقا لقانون الانتخاب...) وذلك للأسباب القانونية التالية:
1. يمكن تحقيق وضمان الشرعية الدستورية لنظام "الكوتا" الحالي للمرأة الأردنية في مجلس النواب من خلال مطلع المادة (67) من الدستور و التي تنص على (يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخابا عاما سريا ومباشرا وفاقا لقانون الانتخاب ) ويجوز أن يأخذ القانون(قانون الانتخاب) بنظام يجمع بين النظام الفردي ونظام القوائم ، كما يجوز أن يتضمن حداً أدنى لمشاركة المرأة في مجلس النواب ، فسلطة المشرع تقديرية في هذا الشأن و ليست مقيدة .
2. أن النصوص الدستورية يجب أن تفسر بالنظر إليها باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً ، بحيث لا يفسر أي نص منها بمعزل عن النصوص الأخرى ، بل يجب أن يكون تفسيره متسانداً معها بفهم مدلوله بما يقيم بينها التوافق بالنأي بها عن التعارض.
3. أن التعارض أو التناقض بين النصوص و المبادئ الدستورية قد يكون تعارضاً ظاهرياً، وقد يكون تعارضاً حقيقياً ، وفي حالة وجود تعارض حقيقي فإن الأفضل هو الأخذ بقاعدة إعمال فكرة التوفيق بين النصوص المتعارضة، وقد صدرت أحكام عديدة عن المحكمة الدستورية العليا المصرية تبنت نفس الفكرة وهي التوفيق أو التوازن بين الحقوق الأساسية، حيث تقول أن " نصوص الدستور لا تتصادم أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها ولكنها تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها وربطها بالقيم العليا التي تؤمن بها الجماعة في مراحل تطورها المختلفة ، ويتعين دوما أن يعتد بهذه النصوص بوصفها متآلفة فيما بينها لا تتماحى أو تتآكل بل تتجانس معانيها وتتظافر توجهاتها ، ولا محل بالتالي لقالة إلغاء بعضها البعض بقدر تصادمها ذلك أن إنفاذ الوثيقة الدستورية وفرض أحكامها على المخاطبين بها يفترض العمل بها في مجموعها وشروط ذلك اتساقها وترابطها والنظر إليها باعتبار أن لكل نص منها مضموناً ذاتياً ولا ينعزل به عن غيره من النصوص أو ينفيها أو يسقطها بل يقوم إلى جوارها متساندا معها مقيداً بالأغراض النهائية والمقاصد الكلية التي تجمعها)).
4. إذا كان المقصود من مبدأ المساواة أمام القانون هو خضوع جميع المراكز القانونية المتماثلة لمعاملة قانونية واحدة على نحو يتناسب بطريقة منطقية وفقا للهدف الذي توخاه القانون، فان هذا المبدأ يتحقق بتقرير معاملة قانونية مختلفة للمراكز القانونية المختلفة أو بسبب يستند إلى المصلحة العامة إذا كان ذلك كله متفقاً مع الهدف الذي توخاه القانون،فالمساواة هي المساواة القانونية وليست المساواة الحسابية، بمعنى أن من حق كل مواطن أن يحصل على ذات المعاملة إذا استوفى الشروط المقررة، وبالتالي فإن المساواة في المعاملة مشروطة بالمساواة في توافر الشروط ، ومن ثم فإن من حق المشرع أن يقيد التمتع بحق معين بتوافر حد أدنى من الشروط الجسدية كالطول أو العرض أو حدة الإبصار مثلا .
5. أن المشرع يملك سلطة تقديرية واسعة في مجال تنظيم الحقوق وتحديد مجال الحريات التي تقبل تحديد الأطر والضبط ، بشرط ألا تنفصل تلك النصوص التي يقوم بوضعها عن الأغراض المخصصة لها وأن تكون مستنده إلى أسس موضوعية لا تحكمية ،فمن حق المشرع أن يضع تمييزاً معينا لفئة معينة طالما كان هذا التمييز مستنداً إلى واقع صحيح .فالتمييز الإيجابي الذي يمنح المشرع بمقتضاه ميزة قانونية لفئة من الأشخاص تواجه مصاعب تحد من قدرتها على ممارسة الحقوق والحريات التي أعترف لها بها الدستور على قدم المساواة مع باقي الفئات ، ويهدف المشرع من وراء هذا التمييز في المعاملة القانونية إلى معالجة عدم المساواة الفعلية بين الأفراد وتحقيق العدالة فيما بينهم.
6. لقد أستقر قضاء المحكمة الدستورية العليا في مصر على أن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص لا يحظران بشكل مطلق جميع صور التمييز بين الأفراد ، وأنهما لا يتطلبان تحقيق مساواة حسابية كاملة فيما بينهم ، وإنما يحظران فقط صور التمييز القائمة على التحكم التي لا تقوم على أسس منطقية، والتي تؤدي إلى تطبيق قواعد قانونية مختلفة على الأشخاص الذين ينتمون إلى مركز قانوني واحد .
7. إذا كان الدستور والقانون قد أعطى للمرأة حقها في الترشيح للانتخابات مع باقي الفئات،و إذا كانت التجربة السياسية الأردنية تؤكد أنه من العسير الدفع بتمثيل للمرأة في البرلمان دون استخدام " الكوتا " ، وإذا كانت جميع الأحزاب السياسية عاجزة عن تحقيق ذلك ، فإن الأمر يتطلب تبرير نظام " الكوتا " حتى ولو بصفة مؤقتة حتى تصبح الظروف السياسية مهيأة أمام الناخبين لاختيار المرشح دون التعصب لجنس على حساب آخر ، مع تهيئة كافة الظروف في العملية الانتخابية لاختيار الأفضل دون وجود معوقات تمنع النساء من الوصول إلى المقاعد البرلمانية، لحين تهيئة هذه الظروف تصبح " الكوتا " حلاً مؤقتا أو كمرحلة انتقالية.
وأخيرا، نقول إن الأهم لدينا في نظامنا السياسي الآن مشكلة أخرى ، وهى إعادة الهيبة والثقة لأسلوب ونظام الانتخاب في الأردن بما ينهى حالة عدم الثقة لدى كثير من المواطنين في نزاهة وسلامة عملية الانتخاب. ونأمل أن تأتي التعديلات الدستورية ثمارها في إعادة الهيبة والثقة لأسلوب ونظام الانتخاب من خلال الهيئة المستقلة للانتخابات .
لذلك نوصي المشرع الأردني(في تعديله لقانون الانتخاب الحالي) إن يقصر هذه التجربة(نظام الكوتا) على فصلين تشريعيين فقط (المقبل وما يليه)، حتى لا يساعد نظام الكوتا على التباطؤ في أوساط النساء للسعي والمثابرة من أجل نيل حقوقهن، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، اعتقد أن هذه الفترة الزمنية (مع الفترات السابقة) كافية لمساندة المرأة حتى تثبت المرأة كفاءتها وجدارتها في هذا المواقع.
المحامي الدكتور نوفان العجارمة
أستاذ القانون الإداري و الدستوري المشارك
كلية الحقوق – الجامعة الأردنية
Nofan.a@ju.edu.jo