الحريات الصحافية تتراجع .. مساوئ "نصف الديمقراطية"
فهد الخيطان
20-10-2007 03:00 AM
المراوحة عند نفس المرحلة طويلا يعني التراجع المنظم الى الخلف.اظهر تقرير منظمة »مراسلون بلا حدود« تراجع مستوى الحريات الصحافية في الاردن 13 درجة مقارنة مع ما كانت عليه العام الماضي.
لم تقع في الاردن انتهاكات خطيرة لحرية الصحافة هذا العام فما سجل من حالات تعد تأتي في سياق ما اعتدنا عليه من تجاوزات بحق بعض الاسبوعيات الجادة كصحيفتي »المجد« و»السبيل« فيما استمر التدخل في شؤون الصحف اليومية بمعدلاته الطبيعية. لكن اعلان الحكومة عن نيتها اخضاع الصحافة الالكترونية للرقابة ساهم على ما يبدو في الاضرار بسمعة الحريات الصحافية في الاردن, بالاضافة الى تدخل الحكومة في عمل محطة »A.T.V« الفضائية قبل انطلاقها وما تلا ذلك من تداعيات اعاقت بدء البث.
العامل الاهم الذي ادى الى تراجع مكانة الاردن في تقرير »مراسلون بلا حدود« هو تقدم دول اخرى كان مستوى الحريات الصحافية فيها قريباً من الاردن لكنها واصلت مشوار الاصلاحات فيما نحن نراوح عند نفس المستوى او نتراجع قليلا.
الامر لا يقتصر على الحريات الصحافية فحسب, فقد حصل وضع مشابه في مجال مكافحة الفساد, فبدل ان يتحسن تصنيف الاردن عالميا بعد اقرار قانون هيئة مكافحة الفساد تراجع بمعدلات مطابقة تقريبا لمستوى تراجعه في ميدان الحريات الصحافية.
العام الحالي الذي شارف على نهايته اظهر تراجع ترتيب الاردن في معظم مؤشرات قياس الاداء العالمية باستثناءات محدودة. والنتائج التي حملتها الينا تقارير واستطلاعات »الخارج« لا تختلف كثيرا عن دراسات »الداخل«. فكل مشاريع الاصلاح في الاردن اما تراوح عند نفس النقطة او تتراجع الى الوراء.
لم يكن ذلك مفاجئا ابدا, فمن يتابع الاداء العام للدولة في السنوات الاخيرة, كان يدرك ان سياسة التحول الديمقراطي التي تعطلت في منتصف الطريق, ستفضي الى نتائج سلبية اذا ما استمرت تراوح طويلا ولا تتقدم.
»نصف« الديمقراطية او نصف الاصلاحات بدت بالنسبة للحكومات سياسة آمنة الى حد كبير, فهي تعطي للمجتمع نصف الدور المأمول وتبقي للمؤسسة الرسمية النصف الآخر الذي يضمن التحكم بمخرجات العملية السياسية من دون المساس بميزان القوى الاجتماعي والسياسي.
هذه السياسة من وجهة نظر مراكز القرار السياسي هي الانسب للاردن في هذه المرحلة التي تتسم بالتوتر والتقلبات المحفوفة بالمخاطر الاقليمية.
وقد تم الترويج لهذه السياسة تحت شعار »الاصلاح من الداخل« في مواجهة موجة الاصلاح المدفوعة من الخارج بعد احداث 11 ايلول. ومع مرور الوقت نجحت معظم الدول العربية ومن بينها الاردن في رد دعوات الاصلاح من الخارج, واعادة بناء تحالفاتها مع الولايات المتحدة والغرب عموما, على قاعدة جديدة من المصالح الامنية والاقليمية المشتركة.
ولم تعد العواصم الغربية وفي مقدمتها واشنطن حساسة كما كانت في السابق لقضايا الحريات والديمقراطية في العالم العربي. ولهذا السبب لا تبدي الحكومات في العالم العربي عموما أية ردة فعل تجاه ما يرد عنها في التقارير العالمية فهي مطمئنة لموقف الغرب ومستمرة في سياسة المراوحة, ما دامت الشعوب راضية بـ »الاصلاح من الداخل«.