في باريس, وقبل اشهر, سألني صديق كان مناضلا في أحد الاحزاب القومية, واكتسب الجنسية الفرنسية : ماذا لو حصل التدخل الاجنبي في سورية وكان الجيش الفرنسي مشاركا, كما يحصل الان في ليبيا, ماذا سنفعل? ان مارسنا قناعاتنا سنتهم بخيانة وطن جواز السفر, سنحاكم كمواطنين فرنسيين, وان صمتنا او وقفنا الى جانب الاطلسي سنشعر في أعماقنا بالخيانة لوطننا الام ? ماذا نفعل بهذه الشيزوفرينيا?
بديهي ان ما من دولة في العالم تمنحك جنسيتها الا بعد ان تقسم يمين الولاء لها. والا فما معنى ان تكون مواطنا ? بديهي ايضا ان يمين الولاء تعني اول ما تعني تقديم مصالح الوطن الجديد على اية مصالح اخرى, لدولة او حتى لجهات او اشخاص, كما تعني تفصيلا انه في حال العداء بين دولة الجنسية الجديدة واية دولة او جهة اخرى, يكون على المواطن الجديد الاصطفاف بدون اي تحفظ الى جانب " وطنه" والا اتهم بالخيانة العظمى.
واذا كان هذا المتسائل يشكل نموذجا لجزء لا يزال يحمل هم الازدواجية هذه, فإن هناك قطاعا كبيرا قد تخلص نهائيا من هذه العقدة, خاصة وان الاحساس الجمعي بالنقص تجاه الاجنبي يجعل من امتلاك الجنسية الاخرى شرفا, وصعودا بهيا على سلم عقدة التفوق.
فكيف اذن اذا ما وعد هذا المتسلق بان يضيف الى ما اكتسبه هناك, امتلاك السلطة هنا. واذا ما تم ترتيب الامور بحيث إن هذا المهاجر الذي اعتاد ان يقضي نهاره في قسم الشرطة لتجديد ورقة, او في قسم الباحثين عن العمل, او طالبي المساعدات الاجتماعية, يجد نفسه يقف فجأة لالتقاط صورة الى جانب وزير خارجية لم يكن يحلم بان يسلم عليه في الشارع, ورئيس لم يره يوما الا على التلفزيون, ومسؤول امن كان يخشى ( ولا يزال ) ان يغضب منه فيكتب في ملفه كلمة تحرمه الرضى وربما تحوله الى القضاء او الى الإبعاد الفوري. وفجأة يقال عنه إنه " ونظيره" ( حتى ولو كان هذا القول في العلن هو غير توجيه الاوامر بعد ذهاب الكاميرات )
ملاحظة عادتني امس وانا أقرأ قائمة بثلاثين سفيرا لدولة العراق, يحملون الجنسيات الاجنبية اضافة الى وزير الخارجية الذي يحمل الجواز البريطاني. هذا العراق الذي كانت حكوماته في السابق ( حتى قبل البعث ) تحظر على من هو متزوج من اجنبية تبوؤ موقع حكومي خطير.
واقع لا يختلف باي حال عن واقع المعارضة السورية في الخارج, حيث يمكن لاي شرطي فرنسي ان يوقف برهان غليون, اذا ما اتهم بمخالفة المصالح الفرنسية, وعندها يحاكم بتهمة الحنث باليمين. ومثله تسعون بالمئة من هؤلاء الذين خرجوا علينا من حيث لا نعلم, وابتلعوا رموز المعارضة السورية الحقيقية, خاصة اولئك الذين لم يحملوا غير الجنسية السورية.
وكما أن جميع هؤلاء العراقيين الذين ذكرنا - ومثلهم العشرات - كانوا من الناحية المبدئية منسجمين مع انفسهم وهم يقفون الى جانب الجيوش التي غزت العراق ودمرته, من عام 1990 الى عام 2003 ، لان الجيوش الغازية هي جيوش الدول الذين اقسموا يمين الولاء لمصالحها, ولم يتخلوا يوما عن هذا القسم للعودة الى الالتزام بالعراقية وحدها, فان الالتزام بمصالح فرنسا او بريطانيا او اية دولة اطلسية اخرى, سيعني الالتزام بتنفيذ خططها في سورية, من باب الوفاء الوطني. سواء في حالات الحرب او السلم, وذاك ما ينطبق قياسا على اية دولة عربية اخرى.
اما اذا اضفنا الى هذه المعادلة الارتباط العضوي والوثيق بين الدول الغربية المعنية والمخططات الصهيونية ومصالح دولة اسرائيل, فإن النظرة الى ازدواجية الجنسية هذه تصبح اكثر خطورة. واذا ما كان القبول بها امرا يتعلق بالحريات والحقوق الفردية, فان الحق الاخر, المقدس, والذي يقع في صميم واجب الدولة هو منع مزدوج الجنسية من تولي مقاليد المسؤولية العامة في اي مفصل من مفاصلها, لان هذه المسؤولية هي ائتمان على مصالح الوطن وأمنه.
العرب اليوم