في الطفيلة وحراكها * م. احمد عواد
mohammad
17-04-2012 03:02 AM
الطفيلة ,اخترتها كأول كلمة في هذا المقال لأنها تأبى ن تكون إلا في المقدمة , فهي في مقدمة من يدافع عن الوطن وفي طليعة من يحارب الفساد ,كيف لا وأول بيان يعارض الملعونة سايكس بيكو يصدر من الطفيلة كيف لا وهي من كان لها الكلمة العليا ونقطة الحسم في الثورة العربية الكبرى في معركة حد الرفيق , كيف لا ورجالاتها مشهود لهم في معارك اللطرون وباب الواد ومعركة الكرامة كيف لا وهي التي شهدت حضارات وحضارات وليس ادل على ذلك من عراقة وأصالة زيتونها الرومي الذي يمزها وقلاعها القديمة الشاهدة على عصور الماضي و أضرحة رسل رسول الله عليه السلام الحارث بن عمير الازدي وفروة بن عمرو الجذامي على ارض ترابها الطيب الطاهر فهي تجمع عراقة سياسية وفكرية وتاريخية وحضارية تفخر بتراث الماضي واصالة الحاضر .
أما أبناء الطفيلة فتيمزون بالعزة والكرامة والنخوة والشهامة والكرم والجود فان جفت ينابيع الطفيلة سقما وان صحرت الأرض لوعة و ألما وان ذبل زيتونها عطشا وان يبست سنابل القمح ظمأ إلا ان عطاء أبناءها معين لا ينضب ونهر لا ينقطع وسيل متدفق لا يتوقف ,فضيق العيش وقساوة الحياة ولوعه متطلباتها لا تحول دون كرامتهم وعزتهم وشموخهم فهذه مبادئهم لا مساومة عليها ولو كان الفقر عنوانها وثمنها ; ففي الطفيلة فقر وبطالة ولكن فيها عزة وكرامة ومع كل الخيرات التي حباها الله من ثروات في الطفيلة في باطن الأرض و على سطحها من اسمنت وفوسفات ومعادن و غيرها وما يقدمه أبناؤها للوطن إلا أن سياسات التهميش و الإقصاء بكافة أشكاله كان عنوانا تاريخيا للحكومات المتعاقبة تجاه الطفيلة .
و كنتيجة حتمية لهذه المعطيات و ما فرضه الواقع المرير الذي نعيش و تلاشي ثقة الشعب بدور القوى السياسية التقليدية القديمة التي تستأثر بالمكتسبات الشخصية و تسعى للاسترضاء على حساب مصلحة الوطن و المواطن و ما تكشف من قضايا فساد ممنهج يسعى الى تفكيك الدولة الاردنية و طمس هويتها و القضاء على مقوماتها وكذلك غياب الدور الفعلي الرقابي للسلطة التشريعية و هذا غير منتظر من مجلس ال 111 إضافة لتردي الأوضاع الاقتصادية الناتجة عن برامج اقتصادية فاشلة ناجمة عن انعكاسات سياسية سلبية كان ضحيتها الوطن و المواطن نشا حراك شعبي سلمي في الطفيلة بفعاليات متنوعة و مستمرة من مسيرات و اعتصامات و مهرجانات على مدار عام تقريبا حتى في رمضان و في ايام البرد و الثلج دون ملل او كلل موجها صفعة قوية لمن راهن على انتهاء الحراك مع الوقت و معلنا رسالة واضحة ان لا سبيل للتراجع عن الإصلاح و محاربة الفساد و بموازاة ذلك كان حراكا في حي الطفايلة في عمان في نفس المستوى من التواصل و الاستمرارية و السلمية و العزيمة و الإصرار .
و المتتبع لحراك الطفيلة و حيها في عمان يجد أن الحراك ذو صبغة شعبية بعيدا عن تأثير الأحزاب السياسية و أن كان بعض نشطائه ينتمون لأحزاب مختلفة وذوي ميول فكرية متنوعة و اتجاهات سياسية مختلفة إلا ان هم الوطن و الإصلاح الشامل و الجوهري والتبرؤ من الجهوية و الفئوية و الإقليمية الضيقة و حدتهم جميعا فلم تعد المطالب الخدمية ذات أولوية لهم لان إنقاذ الوطن من زمرة الفاسدين الذي نهبوا مقدراته و استباحوا حرماته و عاثوا فيه فسادا و أوصلوه إلى مليارات الديون هو الشعار المطروح وهذا لن يتأتى إلا بالإصلاح الشامل المبني على قاعدة الشعب مصدر السلطات فعلا وتطبيقا عمليا و ليس نظريا و ذلك بقوانين عصرية ناظمة للحياة السياسية و الحزبية تكون مقدمة للحكومات البرلمانية المنتخبة و الممثلة بشكل حقيقي للشعب و هذا هو المطلب الجوهري للحراك الشعبي لتكون من خلاله الولاية العامة بيد الحكومة و في نفس الوقت تقوم الأجهزة الأمنية بالدور الحقيقي لها و ترفع قبضتها عن الحياة السياسية و المدنية لذلك فان الطبيعة الشعبية لحراك الطفيلة لا تنفي انه ذات وعي سياسي و فكري متنامي فرضه على المتحركين واقع ان الحراك اصبح محط اهتمام الحراكات الشعبية الأخرى لا بل تصدرها جميعا باستمراريته و تواصله و صلابته و في رأيي الشخصي أن حراك الطفيلة تصدر المشهد لأنه أعاد الحيوية و البريق للحراك الأردني بعد تعرضه لضربتين قاصمتين بدرجات متفاوتة اشدها اعتصام 24 آذار على دوار الداخلية و ثانيها تنافس الأحزاب السياسية و بحثها عن مكاسب شخصية جعل تحركها مرهونا بمدى استجابة الحكومة لها إضافة إلى الانقسام الحاد للحراكيين في رؤيتهم للمشهد السوري فخطف حراك الطفيلة الأنظار من مسيرات الحسيني الأمر الذي دفع ببعض المحللين إلى نعت الطفيلة بعاصمة الحراك السياسي الأردني . فحراكها اصدر أول بيان ضد المادة 23 من قانون مكافحة الفساد و يافطاته كتبت أسماء الفاسدين و كان لحراك الطفيلة مواقفه و بياناته الواعية تجاه احداث سلحوب و المفرق و ساكب و غيرها و هي لا تخرج عن قوميتها و عروبتها فلن تنسى غزة و فلسطين من شعاراتها و حرقت علم العدو الصهيوني و داعمه أمريكا و هتفت مرارا و تكرارا ضد مؤامرة الوطن البديل .
و نتيجة لما تعرض له الحراك من محاولات تشويه مستمرة و استفزازات متعددة بأساليب عدة من اتهامات بتمويل خارجي أو أجندة خارجية أو البحث عن مكاسب شخصية او انه فئة قليلة تبحث عن الظهور و الإعلام او الخلط بين حراك العاطلين عن العمل و حراك الطفيلة و إن كان جزءا من العاطلين عن العمل من ضمن المتحركين بالحراك الشعبي و كذلك سياسة التسويف و المماطلة بدلا من ان يكون هناك لغة جادة للحوار الهادف و البناء ; صدرت هتافات و شعارات لا تمثل جوهر الحراك ولا تعكس المقصد الحقيقي حتى لمن أطلقها ولم تكن الا ردة فعل ضد محاولات التشويه و هي بلا شك مرفوضة للجميع قوبلت بخطأ سياسي في اعتقال بعض النشطاء بتهم إطالة اللسان و التجمهر غير المشروع في نفس اليوم الذي قدم فيه مجلس ال111 صورة باهتة و مخزية في قضية الفوسفات أشبه بإعطاء صكوك غفران للفاسدين ثم اراد ان يكفر عن خطيئته بسعيه نحو مزايا شخصية من رواتب تقاعدية و جوازات حمراء فكانت الإرادة الشعبية أقوى من العقلية الأمنية فزاد الحراك عددا و زخما و توحدا و إصرارا فتضاعفت الاعتصامات و المسيرات بدعم و تنسيق مع كافة الحراكات الشعبية الأخرى فتحققت وعود الحكومة بالإفراج عن معتقلي الطفيلة باعتقالات جديدة على الدوار الرابع فالحل الأمني يزيد من الاحتقان و التازيم فالأصل ليس معالجة الأعراض وإنما الأسباب و المسببات فطالما أن المقومات و الأرضية المسببة للحراك موجودة فهذا يعني أننا لا زلنا نشهد حكومات الطوارئ و ترحيل الأزمات وبالتالي فان خيارات الغضب الشعبي قائمة و قد يعبر عنها بصورة أكثر حدة و زخما لذا لا بد من استخدام لغة الحكمة و العقل و تغليبها إذ لا يقبل العقل و لا يرضى الضمير الحي أن يعتقل احرار الطفيلة و يزجون في السجون بينما ينعم الفاسدون بالحرية و التنعم بأموال الشعب المنهوبة و لكنها ستكون جحيما عليهم لان قوى الشر قد تكسب معركة و قد تكسب جولة و لكنها أبدا أبدا لن تكسب حربا .
و لمن يستفسر عن الأغلبية الصامتة أليس من رسالة بنجاح القائمة الوطنية في انتخابات نقابة المعلمين في الطفيلة باكتساح و بنسبة اصوات تجاوزت 75 % علما بان معظم أعضائها نشطاء في الحراك و من ضمنهم المعتقل المفرج عنه سائد العوران مفادها ان الأغلبية الصامتة تتفق مع مبادئ الحراك و مطالبه ولكن الحس الوطني العالي و الجانب الاخلاقي المميز الذي يميز الشعب الاردني يجعلها ترى ان يكون هناك حراكا ضمن حد معين عددا يكون ضاغطا في عملية الإصلاح المطلوب لقطع الطريق على الفاسدين الحاقدين و على قوى الشد العكسي الذين يسعون للفوضى و على من يريد أن يصطاد بالماء العكر و التخوف من أي سيناريو مشابه لما يحدث في الجوار العربي .
لذا فان الإصلاح الشامل و محاربة الفساد هو الطريق الامثل لتضييق الفجوة في الثقة بين النظام و الشعب و التي تسببت بها الحكومات المتعاقبة بسياساتها القائمة على التوريث و الشللية و الفئوية فأثقلت كاهل المواطن ألما و جوعا و فقرا و أرهقت موارد الدولة عبثا و فسادا فالفرصة تاريخية لان يصل الأردن إلى الدولة المدنية الحديثة القائمة على التعددية و الديمقراطية دولة المؤسسات و القانون وفق نموذج أردني مميز يحفظ للدولة هيبتها و للنظام ملكه و عزه و للشعب كرامته و إرادته .