سـماد الحيـرة .. حمد نـزال
mohammad
16-04-2012 06:50 AM
مازال الوقت مبكرا لوزن قيمة "الربيع العربي" أو للإختيار بين الحماس له أو الكفر به دون أن يعني هذا تشجيع الحياد منه أو أتخاذ أي موقف عدا محاولة الاقتراب من فهم ما يدور في عقر بيوتنا إن كان هذا ممكنا أصلا، أو حتى مجديا.
التوق للحرية والتغيير يداعب القلوب؛ ووجاهة حجج الإطمئنان والإستقرار والرعب من المجهول لا تريح العقول؛ فيما يبعث مجرد التفرج مسوغا لحيرة تؤذي الأرواح النبيلة.. لا نغفل أن التفرج غير المنحاز هو لعبة يجيدها كثير من البشر للإنقلاب والتبدل بحسب النتائج كي يضمنوا مقعدا مريحا مع الفريق الفائز.
يبدو أن التشتت وانعدام الرؤية أمر محتوم على أبناء المنطقة العربية (يصح القول على معظم أبناء الكرة أرض) إذ يظل الوقت دائما مبكرا لندرك ما إن كنا لاعبين أصيلين فيما يجري حولنا أم مجرد بيادق عاجزة. لنستفتي الناس مثلا، في الثورة العربية الكبرى (1916) فنجد أنهم منقسمون فريقان أحدهم يمجدها والأخر يشيطنها دون أن تستطيع فئة ما أن تقنع الثانية بوجاهة منطقها. الوضع ينطبق على معظم القضايا العربية الكبرى: صدام شهيد أم قتيل؛ إيران معنا أم علينا؛ فلسطين مفاوضات أم قتال؛ الإخوان المسلمون حل أم مشكلة... الخ.
الضباب الكثيف الذي يبث تقريبا يوميا أمر مقصود، فقد بات واضحا أن السياسات الجوهرية للحكم – بصرف النظر عن مكان وطبيعة النظام – هي هي وركائزها الأساس تقوم على: الإلهاء، خلق المشكلة وحلها والتخويف. لا مكان للطيبة في السياسة والحكم. لقد فهموا جميعهم (الساسة) وبدقة أقوال "نيتشه" حتى قبل أن ينطقها بدهور:
"الحياة من الناحية الجوهرية إمتلاك، تجريح، إخضاع الغرباء والضعفاء، تحكم، قسوة، إكراه، ضم وفي أكثر الحالات اعتدالا هي نهب."
كيف نزيل غموض الحيرة في زمن صار الملكي يدعو فيه للجمهورية، والجمهوري يدعو للملكية! ولما بات الربيع متشابكا مع الخريف بطريقة فظة يعانق فيها الشوك الياسمين؟
البعض يرى في المعابد والمقدسات حلا، والبعض يجد في العقل – أو ما تبقى منه- أملا، وأخرون يصدقون الشعوب ويسيرون ورائها سير القطيع ويحجون معها لليسار أو لليمين والكل غير قادر على إيجاد اجابات حاسمة ليس فقط لأسئلة اليوم الكبرى بل وحتى لتلك الأسئلة الأساسية التي حيرت الإنسان الأول: ما هو الموت وما الخلود؛ ما هي الروح؛ هل ثمة مخلوقات غير إنسية؛ ما مغزى الحياة؛ ما أصل البشر؛ وما طبيعة الحب والأحلام؛ وهل ثمة حياة بعد الموت...الخ؟
كثر هم من احتفل طربا بهبات الجموع المجيدة المطالبة بالتغير المستحق والواجب.. العديد تعب من ضجيج العرس الجماعي وزغاريد الأمهات الثكلى ولوحات الفناء المجنون.. عود الثقاب الذي انطلق من افريقيا وصل أسيا وقسم العالم كله بين مؤيد ومعارض وحائر..
إعادة بناء المكان يتطلب الهدم وللهدم ضحايا أبرزها الذاكرة. وزراعة الأرض تتطلب قلبها من أساسها.. والبركان الثائر الذي يبيد ما حوله يعود فيحوله جنان وواحات بعد سنين.. كما أن إنقراض حيوانات معينة يتيح المجال لأصناف أخرى بالتكاثر والانتعاش..
أهو اللهب الذي سيحرق السهول ليمهد لأرض أكثر خصبا؟ وكم من سماد (من دماء) الشرايين سيطلب ليحي أزهارا أروع عبقا؟
حمد نزال: صحفي مستقل مقيم في واشنطن