نعيش هذه الايام اجواء هبة نيسان المجيدة, التي بدأ فيها تاريخ جديد في الاردن, غادرنا مرحلة الاحكام العرفية, وانطلقنا الى مسيرة ديمقراطية (لاحظوا مسيرة وليست مرحلة) لا تزال متعثرة الى يومنا هذا.
ورغم أن هبة نيسان كانت فتحا جديدا في تفكير وعقل الدولة, إلا أن الخطوات نحو المسيرة الاصلاحية تعثرت كثيرا, وتباطأت اكثر, وقويت شوكة قوى الشد العكسي اكثر واكثر.
تأتي هبة نيسان هذا العام, على وهج نسمات الربيع العربي, التي تتعثر ايضا, ويغزوها الطقس الصحراوي المحمل بالغبار, لكن نسمات نيسان, ونسمات الربيع العربي تحتاجان الى الاكثر عقلا وهدوءا في مجتمعاتنا, ولا تحتاجان الى عقول المتطرفين.
هذا يفتح على الارتياح الزائد عن اللزوم الذي تظهره الحكومة ورجالاتها في تقويمهم للحراك الشعبي, ويشي بعقلية غير مرنة واهمة مثلما كان غيرها واهماً بأن ما يحدث في بلدان أخرى لا يمكن أن يحدث عندنا.
لا يجوز اختلاف التقويم لحجم وقوة الحراك الشعبي ومن يقف وراءه, بحيث ينعكس ذلك كردة فعل باردة ومتجاوزة لدرجات الاطمئنان التي ترى أن الحراك الشعبي دائماً تحت السيطرة, ولن يتجاوز المعايير الموضوعة للوصفة الأردنية لأي اعتصام أو مسيرة أو تجمّع.
لندقق جيداً.. لم يكن أحد -حتى الأكثر تفاؤلاً- يتوقع في لحظة ما أن يحدث ما حدث في جارتنا الشمالية, فلقد كان الأمن مطمئناً جداً, وسياطه طيلة أربعين عاماً فعلت فعلها في عصب الشعب السوري, وبات مقتنعاً بأنه لا حول ولا قوة له أمام الوضع القائم, لكن ما نراه يومياً عبر شاشات الفضائيات حتى لو كانت نسبة الصحة فيه 50% فقط, وما نشاهده في يوم الجمعة تحديداً, يدفعنا إلى التفكير ساعات بأن الوضع جد خطير, وأننا فعلاً لسنا بعيدين عن فوهة العاصفة إذا لم نضع الإصلاح الحقيقي على السكة الصحيحة من دون مواربة أو تأخير.
خطر جداً أن تمارس الحكومة سياسة تقطيع الوقت في ملف الإصلاح, والأخطر أن هذا يحدث فعلاً, حيث لا يتورع المسؤولون عن ترديد معزوفة "إننا غير مستعجلين في قضية الإصلاح, والأفضل أن تتم الأمور بكل بهدوء وروية".
أن تنجز مشاريع الإصلاح بهدوء فهذا فيه وجهة نظر, أما أن نقول إننا غير مستعجلين فهذا الخطر بعينه, لأن الوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك.
ما يتسرب من أروقة مطبخ مجلس النواب أن هناك توجها للعودة الى صيغة قانون الصوت الواحد, سيىء السمعة والصيت, وإن كان هذا صحيحا, فإن مجلس النواب فعلا احد ادوات تعطيل التقدم خطوة نحو الاصلاح.
إن كل الحديث عن الإصلاح السياسي الشامل يبقى ناقصاً إذا لم يترافق مع إصلاح اقتصادي حقيقي يحمي الحياة المعيشية للمواطنين, ويحفظ كرامتهم من العوز والحاجة, وهذا أيضاً لن يتحقق إذا لم نشعر جميعاً بأن محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين أولوية قصوى, ويجب ألا يتم التعامل معها بالقطعة وبحسب الوزن.
osama.rantesi@alarabalyawm.net
العرب اليوم